لكل أمة أعيادها التي تتكرر بمرور مناسبة من المناسبات الكبيرة عندهم يُحيون بها تلك الذكرى، ويجددون ذكراها، ويظهرون الفرح والسرور بمرور وقتها، ولكن أمدّ الله المسلمين بعيدي الفطر والنحر اللذين هما يوما عبادة وشكر، وسرور وفرح، فليسا مجرد عبادة، وليسا مجرد عادة، وإنما جمعا خيري الدنيا والآخرة، وهذه الاجتماعات الإسلامية تحقق من المصالح الدينية والدنيوية ما يدل على أن الإسلام هو المنهج الإلهي الذي جاء به الله تعالى لإسعاد البشرية، فله الحمد والشكر. وقد جاءت مناسبة العيدين في الإسلام عيد الفطر، وعيد الأضحى شكراً لله على أداء تلك العبادتين العظيمتين، صوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، وهذه زمانية ومكانية. والعيد من خصائص هذه الأمة المحمدية، وصلاة العيد من أعلام الدين الظاهرة فقد ثبت مداومته صلى الله عليه وسلم عليها، وأجمع عليها المسلمون، خلفاً عن سلف، وقد تقرر في الشريعة المطهرة أنه لا يسوغ تعظيم زمان ولا مكان بنوع من أنواع التعظيم لم يأت تعظيمهما في الشرع فلو ساغ تعظيم زمان من الأزمنة، لساغ تعظيم ليلة الإسراء، ويوم بدر، ويوم الفتح، لما حصل فيها من الخير الكبير وإعلاء كلمة الله تعالى. وقد اجتمع في عيدنا عبادتان بدنية ومالية، ففي عيد الفطر: الصدقة مع الصلاة «قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربه فصلى» (الأعلى: 14، 15). وفي عيد الأضحى العبادة فيه: النحر مع الصلاة «فصلّ لربك وانحر» (الكوثر: 2)، وهذا فضلٌ من الله ومِنّة على هذه الأمة، يجب أن نشكر الله تعالى وأن نلهج بذكره ونداوم على عبادته. وإذا وافق العيد يوم الجمعة كما هو الحال في هذا العام - سقطت الجمعة عمن حضر العيد مع الإمام في ذلك اليوم، حيث اجتمع عبادتان من جنس واحد، فدخلت إحداهما في الأخرى، ولأن في إيجاب الصلاتين على الناس تضييقاً وتكديراً لمقصود عيدهم، وما سن لهم فيه من السرور والإنبساط، فحينئذن تسقط الجمعة سقوط حضور لا وجوب. ودليل سقوط حضور الجمعة في تلك الحال: ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن من حديث زيد بن أرقم قال: (صلًّى العيد أول النهار، ثم رخص في الجمعة فقال: «من شاء أن يجمّع فليجمّع» (رواه النسائي وأبو داود، وابن ماجة وأحمد واللفظ له). قال شيخ الإسلام: إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال، الصحيح منها: أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ويشهدها أيضاً من لم يشهد العيد، وهذا مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو قول من بلغه الحديث من الأئمة كأحمد وغيره، وأما الذين خالفوهم فلم يبلغهم ما في ذلك من السنن والآثار، ثم إن من لم يحضر الجمعة فعليه أن يُصلي الظهر في وقت الظهر.. هذا ما لزم كتابته في مناسبته والله من وراء القصد. * خطيب جامع إبراهيم الذياب بحي الفيحاء بالرياض