أنباء عن خطة مصر لتشكيل هيئة مؤقتة لإدارة القطاع.. «حماس»: لا تعيينات إدارية في غزة    مدرب الأهلي "يايسله": مستعدون ومتفائلون لتحقيق نتيجة رائعة أمام الريان    ولي العهد والرئيس اللبناني يبحثان «المستجدات» ويستعرضان «الثنائية»    مدرب الهلال "خيسوس" قبل لقاء باختاكور الأوزبكي : هدفنا تحقيق نتيجة إيجابية    إعلان استاد الأهلي الجديد يشعل الجدل في مصر بسبب ظهور أبو تريكة    «الداخلية» تطلق ختماً خاصاً تزامناً مع افتتاح المرحلة الأولى من «المسار الرياضي»    حرس الحدود ينقذ (12) شخصًا بعد جنوح واسطتهم البحرية على منطقة صخرية    زيلينسكي: نحن بحاجة إلى سلام حقيقي.. ونأمل دعم واشنطن    توصيل الإنترنت عبر الضوء    الأسهم الأوروبية تغلق على ارتفاع قياسي    تحالف «أوبك+»: ملتزمون بتعديلات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل    فيصل بن خالد يقيم مأدبة إفطار لأهالي المنطقة    "حديث السّحر" ماشفت ، ماسويت ، ماقلت ، مدري    استخبارات الحوثي قمع وابتزاز وتصفية قيادات    أكبر عذاب تعيشه الأجيال    «الغذاء والدواء»: 1,450,000 ريال غرامة على مصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    أسعد بشيّه في ذمة الله    بعد صدور قرار تأسيسها ..جمعية أدبي الطائف تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    خديجة    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم مآدب إفطار رمضانية في نيبال ل 12500 صائم    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    أطعمة تكافح الإصابة بمرض السكري    تنظيم الشاحنات الأجنبية يدخل حيز التنفيذ    ولي العهد والرئيس اللبناني يعقدان جلسة مباحثات رسمية    دبلوماسية الردع عن بُعد    التعليم السعودي يفتح خزائنه في سباق العشرين عالمياً    عينك على البحر.. عينك على المستقبل !    الشهادة التي لا تسقط بالرحيل    قال «معارض سعودي» قال !    6 مجالات للتبرع ضمن المحسن الصغير    التسامح...    5 مواقع للتحلل من النسك    الدوري أهلاوي    السد يتعادل مع الوصل في دوري أبطال آسيا للنخبة    النصر يتعادل سلبيا مع الاستقلال في غياب رونالدو    برعاية خادم الحرمين.. الأميرة فهدة بنت فلاح آل حثلين تكرّم الفائزات بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    «حماقي» يطمئن جمهوره على حالته الصحية بعد نقله إلى المستشفى    إعلامنا ما سنحققه غدًا    الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام!    محلل إسرائيلي: حكومة نتنياهو تتصرف بشكل مغامر في جميع الجبهات    آثر من حدائق الإنسانية    فيصل بن مشعل يزور القضاة والمشايخ    جوازات جدة تستقبل رحلات المعتمرين خلال رمضان    أمير الشرقية يستقبل سفير طاجيكستان.. ويطلع على أهداف "مقتدر"    الذهب يرتفع بفعل ضعف الدولار.. والأسهم الآسيوية تكسب بحذر    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    «صم بصحة».. جهود توعوية لجودة الحياة    لصيام دون مخاطر.. إرشادات لمرضى السكري    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن وجبة الإفطار في الميدان    مَارَسَ الاحتيال.. «الفنانين العراقيين»: إيقاف مسار الحجامي 6 أشهر    من «مسافر يطا» إلى «هوليوود».. فلسطين حاضرة في منصة تتويج «الأوسكار»    أمير القصيم يستقبل العساف بمناسبة تكليفه محافظًا للرس    والد زوجة الزميل جمال صالح في ذمة الله    السلمي يحتفل بيوم التأسيس مع "التوفيق" لرعاية الأيتام    أمطار رعدية على مناطق المملكة حتى يوم الجمعة المقبل    3500 قطعة أثرية تحت المجهر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب «الانسداد التاريخي» ل.. هاشم صالح.. كيف كانت قرطبة منارة الفكر والعلم والتسامح الديني؟
يجعلك تحبط وتتفاءل وتفهم وتحزن وتأمل
نشر في الرياض يوم 06 - 09 - 2010

يحمل هذا الكتاب عنواناً معبراً وقاتلاً بذات الوقت: «الانسداد التاريخي»، بقدر ما تعبر هاتان الكلمتان عن طبيعة المأزق الذي يعيشه العالم الإسلامي الذي يعاني فعلاً من انسداد تاريخي تجاوز الألف عام جعله يعاني من التأخر الحضاري، بقدر ما توحي كلمة الانسداد بالإحباط واليائس. فالانسداد بحد ذاته كلمة محبطة، فكيف إذا كان تاريخيا؟!. هذا الكتاب للباحث والكاتب هاشم صالح ليس محبطا ولكنه لا يقلل من حجم المشكلة، هاشم صالح من المفكرين المتفائلين ولكن العميقين الواقعيين، وكما يقول دائما فإننا يجب أن ندفع ثمن الأصولية والتطرف والتراجع كاملا دماً ودموعاً قبل أن نتقدم إلى التنوير والتسامح والإنساني
يعد هذا الكتاب أكثر كتب هاشم صالح إلهابا للعواطف، في كل مقال لا بد أن تحس بالرغبة المشتعلة في القضاء على مرض الأصولية والحب العارم لعصر التنوير الإسلامي المنتظر. وكما معروف فإن هاشم صالح يمنح عمره كله لهذه القضية، وهي أكبر القضايا وأهمها في عالمنا العربي والإسلامي. يحدث ذلك من خلاله ترجماته لمشروع محمد أركون أو من خلال كتبه الفكرية أو محاضراته أو مقالاته التي ينشرها في صحيفة الشرق الأوسط أو موقع الاوان.
يكشف هذا الكتاب الصادر من دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب بصفحاته ال 300 وعبر عدد كبير من المقالات وبعض الدراسات عن هذا الانسداد التاريخي. كما يعلن هاشم صالح دائما أن الأزمة لدينا في أصلها أزمة فكر، فكر تغيب عنه الحرية والنقد والسؤال أدى في النهاية إلى انسداده. هذا الفكر الذي ظل مسيطراً ولا يزيد التزحزح، محروس كما يقول صالح ب» الرجال . هناك قوى كاملة بعددها وعدتها مستعدة في كل لحظة للانقضاض على من تسول له نفسه أن يقترب ولو مجرد اقتراب من منطقة السؤال. هناك جيوش كاملة من المراقبين والشيوخ والحراس والموظفين . هناك أمة بأسرها كانت قد بنت مشروعيتها، وقد أسست كيانها على طمس السؤال، على تقييد السؤال بالأغلال».
هاشم صالح
في أول مقالات الكتاب بعنوان «|أما لهذا الليل من آخر» يكتب صالح روحه المختنقة التي تجعله يسير بدون هدى في شارع الشانزلزيه المتزين بالأضواء البديعة التي «لا تستطيع أن تبدد العتمات الداخلية». يبدأ بعد ذلك في حديث داخلي مع نفسه يجعله يصاب بالإحباط فلا شيء لدينا فعلا يحدث. ومن ثم يقول بألم وخضوع « كنت لا أزال أحلم في السنوات الأولى من إقامتي في باريس بزوال الكابوس يوما ما، فإني أصبحت الآن متأكداً أنه ينبغي التفاوض معه بشكل أو بآخر لأنه لن يزول خلال الأمد المنظور. ينبغي التعايش معه وربما تقبيل يديه ورجليه «.
هذه الإنكسارة العاطفية الفكرية يعبر عنها صالح بانفتاح عندما تعتم روحه ويفقد الأمل. إنه يعمل كثيرا ويصيح بكل الاتجاهات ولكن لا شيء يحدث. ولكن هذه مجرد واحدة من انكساراته الشفافة ولا تعني فعلا تقاعسه أو حتى كما قال اقتراحه التفاوضي. من يقرأ لصالح يدرك أنه لا يؤمن أن الفكر يتم التعامل معه بطريقة تفاوضية، هو أكثر من غيره يدرك أن الفكر جارف وقاتل وعاصف.
غلاف الكتاب
ينقلنا بعد ذلك صالح برحلة فكرية ممتعة يتناول فيها باستمرار تجربة التنوير الأوروبي التي يصنفها صالح بأنه الأكثر جذرية في التاريخ البشري. لقد قلبت باختصار المعادلة بشكل كامل. يقول عن الإصلاح الديني الذي بدأ بأوروبا: «لو لم أجىء إلى أوروبا لم عرفت أن هناك طريقة أخرى لفهم الدين غير الطريقة الطائفية الموروثة منذ مئات السنين. كنت محصورا بالذهنية العتيقة معتقدا أنها هي وحدها الممكنة. كنت قد بقيت أعمى البصر والبصيرة !». ويشير في مقطع آخر إلى أهمية عصر التنوير بالمقارنة مع غيره حتى مع عصر النهضة، يكتب:»وحده القرن الثامن عشر تجرأ على إحداث تلك القطيعة الابستمولوجية التي لم تجرؤ عليها أي حضارة بشرية حتى الآن. أي القطيعة العلنية الصريحة مع الرؤية التقليدية للعالم وإحلال الرؤية العلمية الفلسفية محلها».
في واحد من أهم المقالات كان بعنوان «أسباب الانحطاط الحضاري للعالم العربي الإسلامي «استشهد برؤية المستشرق المعاصر مارتن كريمر المختص بالتاريخ العربي والإسلامي الذي يصف تلك الحضارة بأنها كانت قوية ومزدهرة لدرجة أن كل من كان لا يتقن العربية لا يعد مثقفاً. ولكن تجمعت بعد ذلك أسباب الانحطاط منها الغزو الخارجي الذي كان أشرسه المغولي والتغير المناخي الذي بدأ بتصحر منطقة الهلال الخصيب وفقدانه لثرواته الحيوانية وكذلك الأزمة المال التي ضربت تلك المنطقة بتحول الخطوط التجارة عنها وأدت إلى أضعاف الطبقة البرجوازية الذي يعتبر وجودها بحسب ما يقول المفكر جورج طرابيشي قانونا تاريخيا لازدهار التنوير. يقول صالح: «فقد العالم العربي والإسلامي حيويته الثقافية أو نسغه الداخلي كما تفقد الشجرة عصارتها فتذبل وتيبس وتموت. وبعد ان كان مزدهرا في مجال العلوم الدينية، والفلسفة، والعلم الطبيعي، وحتى التكنولوجيا بالنسبة لذلك الزمان أصبح جامدا، متكلسا، متحجرا، وبعد أن كان العرب من أكثر الشعوب فضولا من الناحية المعرفية في العلوم الطبيعية والفلكية من أجل معرفة سرن الكون أصبحوا وكأنهم ختموا العلم ولم يعودوا بحاجة إلى بحث وتساؤل».
بعد تصاعد العلميات الإرهابية التي لطخت الساحات بدماء الأبرياء كتب صالح مقالاً حزيناً وشاجباً بعنوان «العالم العربي مريض بأصوليته. فمن يشفيه؟!. كان هذا المقطع بعد مجزرة القاعدة في لندن، يقول: «ذلك أن ماضربه الأصوليون في مدينة لندن العريقة والجميلة هو فكرة الحضارة وطريقة معينة في الحياة والوجود كما قال رئيس الوزراء توني بلير. أن ماضربوه هو فكرة الحرية والتعددية الروحية والدينية والسياسية. إن ماضربوه هو حرية التعبير والتنفس والكلام»..
وفي موضوع آخر يشير إلى وباء الأصولية الذي وصل هولندا التي تعد أقدم البلدان الأوروبية ليبرالية وتسامحا وقبولاً للأديان والعقائد المختلفة. ففي دستورها عام 1579 كانت هناك مادة تنص على أن حرية الضمير مضمونة فيما يخص الشئون الدينية والعقائدية. في ذات الوقت الذي كان فيه الكاثوليك في فرنسا يعلقون المشانق للبروتستنانت. في ذلك البلد قتل الشاب المغربي محمد بويري المخرج فان غوغ عندما لم يكتف بطعنه بالسكين والإجهاز عليه بالرصاص بل جز عنقه. هذا مايقول عنه صالح بحسب أحد الباحثين الفرنسيين : الإيمان الذي يقتل «الإيمان الأعمى الذي يقتل أو يدفع بصاحبه إلى ارتكاب جريمة القتل راضيا مرضيا. عندما تكون رأسي محشوة بأفكار التعصب والكتب الصفراء وفتاوى فقهاء الظلام فإنه يحق لي أن أقتلك إذلم تكن تعتنق ديني أو مذهبي».
ينقلنا المؤلف من الماضي إلى الحاضر والعكس، على المستوى الغربي والعربي الإسلامي وكل ذلك بهدف الكشف والتوضيح. وفي مرات يقصد التحفيز والإلهام. ينطبق ذلك على موضوعه بعنوان «عندما كانت قرطبة منارة للفكر البشري»، فقرطبة في عهد الخليفة الأموي عبدالرحمن الثالث كانت «إحدى تحف العالم الخالدة من حيث الفن المعماري والزخرفة والأعمدة التي لا تنتهي والهيبة الدينية الإسلامية التي تشع منه.. كان هذا الأمير مسلما متسامحا يستقبل العلماء من كل الأديان ويحتفي بهم ويغدق عليهم العطايا والهبات لكي ينتجوا ويبدعوا.. وهكذا اشتغل العلماء المسلمين جنبا إلى جنب مع علماء المسحيين واليهود بكل وئام وانسجام وترجموا الكتب الأغريقية وسواها وأبدعوا في مختلف العلوم.. وقد وصل بالخليفة الأموي الانفتاح الفكري إلى حد أنه اتخذ مطران قرطبة المسيحي» ريسموند» صديقا ومستشاراً له. وأما طبيبه وسفيره فكان اليهودي هسادي بن شاتبروت. وهكذا اجتمعت الأديان التوحيدية الثلاثة في ظل الخلافة العربية الإسلامية وشهدت فترة من التعايش والتعايش قل نظيرهما إبان العصور الوسطى «.
هذه التحفة العربية الإسلامية المتحضرة والمتعددة تحولت بحسب ما يقول الفليسوف الفرنسي الشهير روجيه غارودي إلى مركز علمي كبير للبحث والترجمة والتأليف. وقد شهدت ظهور فلاسفة كبار مثل ابن مسرة وابن حزم وابن باجة وابن الطفيل وابن رشد وابن عربي أما من الجهة اليهودية فكان هناك موسى بن ميمون وابن غابيرول. وكذلك كان هناك مفكرون مسيحيون. لقد شهدت قرطبة تسامحا دينيا وثراء فكريا وحضاريا ولكن بعد موت ابن الخليفة عبدالرحمن الثالث (الناصر) الحكم الثاني عام 976 بدأ الأصولية بخنقها ناصبة محاكم التفتيش للفلاسفة والعلماء مما اضطرهم إلى الهرب مثل عالم الهندسة عبدالرحمن الملقب ب» أقليدس الاسباني» أو سعيد الحمار مؤلف رسالة في الموسيقى وكتابا بالفلسفة بعنوان « شجرة العلم» اضطر إلى الهرب إلى صقلية. لاشك أن سيطرة الظلام والجهل والتعصب تؤدي إلى التفكك والنهاية المحتومة كما حدث لقرطبة التي أصبحت ماضيا بالنسبة لنا الآن.
يتناول الكتاب أفكاراً ونظريات عدد كبير من الفلاسفة من كانط وهيجل وحتى مكسيم ردنسون وبول ريكور الذي كتب صالح كلمات رقيقة حزنا على وداع هذا الفليسوف الذين جمع بين العلم والإيمان. كما تناول أفكار المفكر عبدالوهاب المؤدب ومالك شبل وسواهما. وفي الكتاب رغم نبرته الفكرية المشحونة بالعاطفة القوية العدد من المقاطع الطريقة التي لا بد ان تجعلك تضحك من القلب. المفكر صالح قادر إضحاكنا بطريقة سودواية. ففي تأييده لنقد طرابيشي لنقده حسن حنفي في كتابه «ازدواجية العقل: دراسة تحليلية لكتابات حسن حنفي « يذكر صالح هذا الرأي لحنفي: «أريد تحجيم الغرب ورده إلى حدوده الطبيعية!!. ويرد عليه هنا قائلا: «ومن أنت حتى تحجم الغرب أيها الفهلق العظيم؟! إذا كنت عاجزاً عن فهم نظرياته العلمية والفلسفية، مجرد فهم، فكيف يمكن أن تتجاوزه أو أن تحجمه؟!.
كتاب «الانسداد التاريخي». يجعلك تحبط وتتفاءل، تحزن وتضحك، تتذكر وتتطلع، تفهم أكثر، وتتعمق أكثر، إنه ككل كتابات هاشم صالح الرائعة، تشعل في عقلك وروحك حب التنوير والخير والإنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.