(1) قد كان يا ما كانَ من زمانْ في سالف الأوانْ هناك في سمائنا القصية البليدةْ نجمٌ يشع من بعيدٍ ذات ليلٍ داكنٍ أتى إلينا غازياً من الكواكب الفريدةْ (2) قد كان يا بَنِيَّ مثل كل سكان الكواكب الطِوالِ الخارقينَ في صفاته العجبْ! فكان كل همه أن يُرضيَ الفقيرْ ويُسعدَ الصغيرَ لا الكبيرْ وكان حُلْمُ عمره أن ينطفي لنا لنستنيرْ وأن يقول ما يراهُ مثلما يراه ُ حتى إن رموهُ بالحجارِ أو عصا التكفيرْ وظل هكذا فما تلونت صفاته بلمعة الخيوطِ في تذهيب مِشْلحِ الوزيرْ أو غيرته ربطة العُنْق التي تعلقت بجيدهِ لما ارتدتهُ بدلةُ السفيرْ (3) ورغم هذا كلهِ قد كان يبدو مثلنا يمشي كما نمشي ويحكي مثلما نحكي ويهوى أن يعيش العمر عُرساً حافلاً بالأغنياتِ والمواويلِ العِذابِ والنشيد ْ لكنه إن لاح يوماً في السماء غيمُ حزنٍ شاحبٍ فإنه يبكي وحيداً في هدوءٍ ثم ينزفُ القصيدْ يسير في فضاء همه دجى ً ويقطع المسير حاكياً إلى المسافرينَ قصة الترحال والرواية الغريبة الفصولِ عن سرابه البعيدْ وهمّهِ السليبِ عن ضياع حُلْمه الفقيدْ (4) لمحتُ ذاك النجم َ خلف بيت شعرٍ عند ديوانٍ عتيقْ أحببت صوت النايِ في غنائه الشجيِّ والأسى عشقت نبض صِدقهِ الرقيقْ قرأت ما قرأْ وعشت في المدائن التي سكنْ سبحتُ، غصت في محيط فكره العميقْ فألهمتني رؤيتي أحلامُهُ عزفتُ من إيقاعها الأوزانَ صوتها صدى للحنِ شعره الرشيقْ (5) و ذات يومٍ لمَّنا الطريقْ قابلته وجهاً لوجهٍ في مشارفِ الأفقْ تلوتُ شِعري عنده وعندما أطربتهُ أهدى وسام عبقرٍ للشعرِ تذكاراً إليَّ لامعاً مرصعاً بالدُّرِ من ثنائهِ كأنهُ تاجٌ من الياقوتِ والعقيقْ (6) مهما أضاءوا أزمناً ونورهم أشعَّ في كل الدُنى فسوف تغشى أهلَ كوكبِ العظامِ هالةٌ سوداءَ من ضيقٍ ملولٍ واكتئابْ تكسوهمو لوناً رماديّ الظلال لا يزولُ هالةٌ عملاقةٌ تسُدُّ نورَ الشمسِ عن عيونهم فلا يرون وعدَ صحوٍ مقبلٍ يطلُ من غياهب الضبابْ ليُزمعوا الرحيل متعبينَ دونما وداع ٍ خلف أستار السحابْ (7) لكنهم لو يرحلون – يا بَنيّْ - فإنهم لن يرحلوا آثارُ خطوهم إلى الغمامِ ومضٌ ساحرٌ يضيء كل ليلةٍ روحَ الفضاءْ لكي يُمهدَ الطريق للسُّراة الصاعدينَ نحو فرقدِ الإباءْ ويملأَ الدنيا سنىً للأرضِ للأجيالِ تمشي دربهمْ كي تعْمُرَ الأوطان صرحاً شامخاً يعانقُ السماءْ