السلفية "منهج مهدي" لا "حزب حركي"، ولو حاول البعض قولبتها لتصبح حزباً لاستحالت إلى ولاءات ضيقة ومصالح فئوية على حساب شمول المنهج، فالسلفية هي العودة إلى "نهج السلف الصالح" والتمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل بأخذ الأحكام من الكتاب الكريم والسنة الصحيحة، وتبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف، من النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأبرز ممثلي هذا الالتزام بالمنهج السلفي في العصر الحديث دعوة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وطيب ثراه، وكما أن الجديد يقابله الجمود، فقد لقي الشيخ ما لقي سلف الأمة الصالح قبله من الممانعات والتربص الذي يأتي أحياناً بزعم ديني، ولكن قيض الله لهذه الدعوة من يتبناها حيث رفع رايتها الإمام محمد بن سعود رحمه الله وطيب ثراه. السلفية تحكم الدين والدنيا، فهي عقيدة للأفراد وشريعة للمجتمع ومنهج للحياة وأخلاق سلوكية يلتزم بها الجميع تجاه الغير، وإن كانت هناك بعض «السلفيات» المعاصرة قد جنحت، إلا أن سلفية هذه البلاد ثابتة على وسطيتها ومتمسكة باعتدالها وممارسة للتسامح الشرعي مع المختلفين معها وقد سار على ذلك ولاة أمرنا في دولتنا السعودية خلال مراحلها الثلاث بحمد الله تعالى، حيث جاء في أول نظام وضع للمملكة بمكةالمكرمة عام 1345ه مادة أملاها الإمام الملك عبدالعزيز رحمه الله وطيب ثراه نصت على أن "جميع أحكام المملكة تكون منطبقة على كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح"، وكلما سئل الملك عبدالعزيز عن دستور بلاده أجاب بقوله "إن دستورنا القرآن" وهذا يعني التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية، وقد قال الملك عبدالعزيز أمام المؤتمر الإسلامي سنة 1344ه "ففي بحبوحة هذا الأمن والحرية التي لا تقيد إلا بأحكام الشرع"، وقال رحمه الله في خطبة ألقاها بمكة في ذي الحجة عام 1347ه "هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل خالصة من كل شائبة ومنزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه، وهي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب"، وقال رحمه الله في خطبة ألقاها بمكة في محرم 1348ه وهو متوجه إلى الرياض "وقد نصرنا الله بقوة التوحيد الذي في قلوبنا، والإيمان الذي في صدورنا، ويعلم الله أن التوحيد لم يملك علينا عظامنا وأجسامنا فحسب، بل ملك علينا قلوبنا وجوارحنا"، وقال رحمه الله عام 1351ه "وإني أرى كثيراً من الناس ينقمون على ابن سعود، والحقيقة ما نقموا علينا إلا لاتباعنا كتاب الله وسنة رسوله، ومنهم من عاب علينا التمسك بالدين، وعدم الأخذ بالأعمال العصرية، فأما الدين فوالله لا أغيّر شيئاً مما أنزل الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أتبع إلا ما جاء به، وليغضب علينا من شاء وأراد، أما الأمور العصرية التي تعنينا وتفيدنا ويبيحها دين الإسلام فنحن نأخذها، ونعمل بها، ونسعى في تعميمها، أما المنافي منها للإسلام فإننا ننبذه، ونسعى جهدنا في مقاومته، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا مدنية أفضل وأحسن من مدنية الإسلام، ولا عز لنا إلا بالتمسك به"، وعالج رحمه الله موضوع التجديد بكلمات جامعة مانعة حيث قال "إننا لا نبغي التجديد الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا، إننا نبغي مرضاة الله عز وجل ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه، وهو ناصره، فالمسلمون لا يعوزهم التجديد، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح"، وأكد رحمه الله على الحرية فقال "والحقيقة أن القرآن الكريم قد جاء بالحرية التامة الكافلة لحقوق الناس جميعاً"، وأشار رحمه الله إلى التمدن فقال "هل هناك أعظم من التمدن الذي ورد في كتاب الله"، وهذه المرويات عن هذا الإمام الذي وحّد الله به الأمة ووطد الأمن وحمى البيضة وحمل من ضلت به السبل بالحكمة والموعظة الحسنة إلى جادة الحق، تؤكد منهج هذه الدولة السلفي الذي يقوم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تمسكاً بالثوابت وبكل اعتزاز وإصرار، مع تجدد في المتغيرات بكل ثقة ومرونة، حتى أصبحت هذه الدولة جامعة لخيريْ الدنيا والآخرة، ومانعة من التنازل عن هويتها وثوابتها. فالسلفية تحكم الدين والدنيا، فهي عقيدة للأفراد وشريعة للمجتمع ومنهج للحياة وأخلاق سلوكية يلتزم بها الجميع تجاه الغير، وإن كانت هناك بعض "السلفيات" المعاصرة قد جنحت، إلا أن سلفية هذه البلاد ثابتة على وسطيتها ومتمسكة باعتدالها وممارسة للتسامح الشرعي مع المختلفين معها، فلا تطرف ذات الشمال بانحلال، ولا تطرف ذات اليمين بغلو، وعلى هذا المنهج سار ولاتنا منذ قرون فكتب الله لهم الحفظ والإعانة، ومن يحفظ الله يحفظه، ويجده تجاهه، وهكذا يجب أن نستحضر ونكون في حياتنا المعاصرة، متمسكين بالثوابت كالحديد، ومرنين مع المتغيرات كالحرير، كما هي سنن الله في خلقه، وشريعته لعباده، فيجمعون خيريْ الدين والدنيا، بشمول وكمال، بلا وكس ولا شطط. ومن ذلك أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله الذي صدر مؤخراً بشأن تنظيم الفتوى والدعوة والخطابة والاحتساب، حيث سار على هذا الخطو الرشيد بسلامة فطرته وبعد أفقه واقتفاء مصدره الحق وحسن فقهه وسلامة فهمه، ويجد المتأمل فيه مبنى ومعنى أنه قبس من مشكاة المنهج السلفي هُدي إليه ولي الأمر أجزل الله مثوبته ليقف بأمره الحاسم في مواجهة قطاع الطريق بطيفهم ولفيفهم الطارئ على نهجنا الوسطي ونبعنا السلفي، وهي نبتات على الطريق لابد لها من جذاذ قيض الله لها أمرا سلطانيا نشأ على فطرة الإسلام السوية والنصح للرعية . ومن تسديد هذا الأمر الكريم أنه لم يقيد الفتوى أو يمنع تعددها في السياق المقبول كما يتوهم البعض، بل قيد صفة المفتي حماية لحمى الشرع من الفوضى والعبث، وتزكية النفس بالانتصاب للفتوى من كل أحد وإن كان خالي الوفاض، بعد رصد حالات من التهافت على فتنة التصدر الديني لا خطام لها ولا زمام، توسعت مؤخراً بما خرج عن المألوف، وكلنا يعلم أن الأصل هو عدم التأهل للفتوى حتى يثبت ضده، ولم تكن قصراً على هيئة كبار العلماء إلا بدءاً، وفي الشأن العام، والخاص المعلن، وأجاز لسماحة المفتي تبعاً الرفع عمن تتوافر فيه الأهلية والكفاية. وهكذا كان المنهج الوسطي في جميع عهود ملوك هذه الدولة الراشدة، ومع تمسكنا بأصالتنا لم نتخلف عن المعاصرة، وقد شهدت بذلك مجلة "نيوزويك" الأمريكية حيث نشرت تقريراً تضمن عشر شخصيات على مستوى العالم تمكنوا من كسب احترام وتقدير دوائر عالمية عديدة، وتضمن التقرير خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، فقال التقرير عنه بأنه منذ أن تولى الحكم في المملكة في 2005 وهو يحاول جاهداً تطوير بلاده، واستثمر في العلوم والتكنولوجيا، ومبادرات الطاقة النووية، كما تعقب التطرف، موجهاً كلمة من مكة طالب فيها المسلمين بإعمال "روح التسامح، والتوازن" التي يدعو إليها الإسلام، وهذا النموذج الشاهد على امتزاج الأصالة بالمعاصرة، وأن السلفية لا تناكف التطور، بل تدعو إليه بأدلة الكتاب والسنة، وهو مصداقُ كمال الدين وسر كونه الدين الخاتم، ومكمن صلاحه وإصلاحه على امتداد الزمان والمكان، ولا عبرة بمن ضلت به السبل فخرج عن الجادة من كلا طرفيْ النقيض، وكلّ يحسب أنه قد أحسن صنعاً، والله الموعد.