لا يقتصر الاحتكار على تجار السوق الكبار، المتحكمين بالسلع الغذائية والضرورات الأخرى، بل جاء من يعطي الإذن ببيع الأسماك في سوقنا وفق سعر اليوم من بلده الآسيوي ، وبنفس القدرة هناك من يتحكمون بأدوات البناء، ومواد السباكة، والأدوية من خارج المملكة، بسبب احتكار العمالة الأجنبية وإدارة هذه الأعمال بفضل رُخص الاستثمار التي أصبحت تحكمها خطوط متقاطعة بواسطة مديرين من خارج أرضنا وأجوائنا هم من يبيعون ويشترون ويتصرّفون في كل شيء بدءاً من الورش الصغيرة إلى أسواق الخضار والملابس وكل احتياجاتنا الأساسية.. وحتى لا يعتقد أحد بأننا نهوّل الأمور ونبالغ فيها، فقد نُشر خبر في الملحق الاقتصادي لهذه الجريدة يوم الخميس الماضي بأن أمانة جدة أصدرت (77) رخصة لمستثمرين أجانب أنشطتهم، حسب الخبر، إصلاح أدوات كهربائية، ومكائن خياطة، وتجهيز حفلات وعقود شغالات، وصيانة أدوات كهربائية، وديكور إلى آخر القائمة.. وبعيداً عن العوائد التي تتعلق بالسماح بهذه الرخص وقصْرها على الأجانب، نتساءل ما هي قيمة الاستثمار في هذه الأنشطة؟ وهل صوالين الحلاقة، ومحلات الخياطين، ودكاكين التجزئة للمواد الغذائية والملابس وغيرها، جزء من قائمة الاستثمار الأمثل، في تحقيق فرص العمل وتحقيق الكفاءات النادرة عندما يحتك هؤلاء بخبراتهم بالمواطنين ليقدموا لهم تجارب مثالية نحتاجها في قطاعات الاستثمار الصغيرة والمتوسطة ونشر ثقافة الإنتاج العالي الجودة؟ أم أن الموضوع يتعلق بحكاية أشبه بالأساطير، ونحن أصحاب أكبر ثروة في البلد، وأكثر الدول بطالة بين الجنسين.. وأهم ورشة عمل في مشاريع لا تقارن بأي دولة..؟ وإذا كان لدينا عشرات المعاهد والكليات المهنية، وفائض الخريجين لا نجد لهم أي وجود لامتهان هذه الأعمال، وربما لعدم إعطائهم ترخيصاً بمزاولة هذه الأنشطة، وهل أصبح لهذه الأعذار قيمة بإحلال الأجنبي مكان الوطني، حتى وصلنا إلى حدود وضع هذه الأشغال كقيمة اقتصادية ستقفز بنا إلى العلامات العليا في التنمية، أم أن المسألة تشبه المزحة في مسرحية كوميدية؟ اقتصادنا وثرواتنا ومسيرة حياتنا وتطورنا تحت رقابة وملاحظة دولية، لأن جاذبية الاستثمارات أصبحت جزءاً من اهتمام بيوت المال وغيرها، لكن بظهور هذه الاستثمارات المضحكة، ماذا يقول عنا الآخر، وكيف يضعنا ويصنفنا في تقييمه لطاقاتنا المالية والبشرية، إذا كان من اهتماماتنا العليا اعتبار هذه المهن، تجاور مشاريع الجامعات والطرق والتصنيع والموانئ وكل ما يتعلق بنشاطاتنا كاستثمارات حيوية؟ الأسئلة طويلة ومتعددة، لكننا ننتظر الرد على هذه الوقائع من خلال ما تتحدث عنه هيئة الاستثمار وتوابعها عن مكاسب فاقت التوقعات إذا كنا لا نزال نعتني بالسباكين أهم من المهندسين وإصلاح مكائن الخياطة، أهم من إنشاء مصنع قطع غيار السيارات، والأجنبي ذو الكفاءة المتدنية، مكان المواطن الذي حصل على دبلوم فني.. عموماً إذا كنا نقع تحت طائلة احتكار السوق والمهنة باسم الاستثمارات الخارجية فماذا عن مستقبلنا بسياسة الإغراق بالعمالة ومنحها كل الامتيازات، فهل وصل ترفنا وحاجتنا إلى أننا لا نصلح لأي عمل أو مهنة وهو ماأوصلنا إلى هذه الحال؟!!