عدم معالجة مشكلة البطالة بكافة أشكالها المعالجة الصحيحة والإشكاليات في سوق العمل بالمملكة تمثل من وجهة نظري الجانب السلبي الأبرز في مسيرتنا الإصلاحية التي حققت نجاحات متميزة في العديد من الجوانب الأخرى. ومع تعيين وزير جديد للعمل فقد كتب العديد من الكتاب خلال الأسبوعين الماضيين عشرات الأفكار والمقترحات الهامة لمعالجة تلك الإشكاليات. والجديد الذي أحاول طرحه اليوم هو تقديم تصور مقترح لمعالي وزير العمل يستهدف الحوار حول البداية الأنسب للتعامل مع ملف البطالة الضخم والمعقد، والذي قلت عدة مرات أنه من الظلم أن "يرمى" على وزير العمل وحين لا تتم معالجة مشكلة البطالة بكافة أشكالها نلوم وزارة العمل وحدها . إن المفارقات والسلبيات في سوق العمل في المملكة تزداد يوما بعد يوم، وتتسبب في استمرار مشكلة البطالة الرجالية والنسائية والبطالة المقنعة، كما تسهم في تنامي ظاهرة الفقر. ومن أحدث المؤشرات على هذا الخلل في سوق العمل نتائج التعداد السكاني التي أعلنت الشهر الماضي وبينت زيادة معدلات نمو غير المواطنين بنسبة 39 % خلال ست سنوات وبمعدل أعلى من زيادة معدل نمو المواطنين بثلاث مرات حيث كان عدد المقيمين الذين شملهم التعداد نحو الستة ملايين في تعداد 2004 وأصبح 8،4 ملايين في تعداد 2010 م. ومن وجهة نظري أن تنظيم سوق العمل في المملكة بطريقة منهجية وعمل مؤسسي فعال يستوجب البدء بتنظيم وزارة العمل وتوفير الدعم اللازم لها ماديا ومعنويا، وبحيث يتم مثلا منح الوزارة حق استقطاع نسبة بسيطة من رسوم التأشيرات، بما يمكنها من تحفيز الموظفين المجتهدين والمخلصين والنزيهين وبحيث يتم توفير ما تحتاج الوزارة من طواقم مؤهلة ومتخصصة، إذ إن جهاز الوزارة حاليا أضعف بكثير من التعامل الاحترافي الصحيح مع هذا الملف التنموي المهم، وهذا الهم الوطني الضخم. ليتم بعد ذلك قيام وزارة العمل بإعداد تصور مبدئي لبرنامج وطني شامل لتنظيم سوق العمل في المملكة، بعد تشكيل فرق عمل "فعالة" تضم عدداً من المتخصصين وممثلين عن الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، وذلك لدراسة ورصد القضايا ذات الأبعاد المتداخلة، والتي تؤثر على أعمال وأهداف جهات أخرى، مثل وضع حد أدنى للأجور، وكل ما يتعلق بالتأشيرات، وعقوبات المخالفين لأنظمة العمل، ومواجهة التستر، وتدني أجور السعوديين في القطاع الخاص، وتوفير فرص العمل الشريف للمرأة السعودية، وغير ذلك من قضايا لا بد – إن أردنا تنظيم سوق العمل - من أن تخضع لإعادة دراسة بأسلوب علمي وبتأن يراعي كافة الإيجابيات والسلبيات وتفهم مطالبات المتضررين، ووجهات نظر المعارضين، وموازنتها بالمصلحة العامة . وبحيث تشرف لجنة وزارية عليا على دراسة هذا البرنامج وإقراره ومن ثم إصدار قرارات حاسمة تنفذ بحزم على الجميع. ومع توفر الإرادة السياسية نحو الإصلاح والجهود المكثفة نحو التطوير المستمر والتنظيم الإداري التي يقودها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وسمو النائب الثاني حفظهم الله، وإطلاق عدة برامج وطنية كبرى لتطوير جوانب مهمة من حياة الناس، فإن من المؤمل إعطاء أولوية لدعم جهود تنظيم سوق العمل، بطريقة مؤسسية، وبالاستفادة الصحيحة من التجارب الدولية وتطبيق عقوبات حازمة ضد مخالفي أنظمة العمل في البلاد، وقبل ذلك وبعده ألا يترك وزير العمل وحده يسبح ضد تيار قوي يضم رجال الأعمال من أصحاب النفوذ الذين يحاربون الكثير من الإصلاحات اللازمة لسوق العمل حين تتعارض مع مصالحهم .