استكمالا لحديث الأسبوعين الماضيين والذي اشرنا فيه الى أن الفصد من العلاجات الشعبية التي كانت شائعة قديماً ، وهو إحداث شق أو قطع في الوريد أو العرق ، وإسالة الدم منه. وأوردنا حديث كل من الدكتور عبدالعزيز الناصر والدكتور علي التويجري في كتابهما بعنوان " الجراحة " وتحقيقهما وتعليقهما على المقالة الثلاثين من الموسوعة الطبية التعريف لمن عجز عن التأليف للعلامة رائد الجراحة الطبيب أبو القاسم الزهراوي حيث اشارا فيه الى ان العروق التي جرت العادة بفصدها في البدن هي ثلاثون عرقاً وتواصلا لحديثهما يقولان : وينبغي أن يخرج لكل إنسان من الدم بقدر قوته وما يظهر في اللون الغالب على الدم فإنه إن كان الدم أسود فدعه يخرج حتى يحمر وكذلك إن رأيته غليظاً فأرسله حتى يرق وكذلك إن كان حاداً حتى تذهب حدته وينبغي لمن كان ممتلئاً قوياً واحتاج إلى إخراج الدم دفعة واحدة أن يوسع فصد العرق ويكون المبضع عريضاً ومن كان ضعيفاً فبالضد من ذلك . وينبغي أن تخرجه في مرات وأن يكون الثقب ضيقاً وأفضل ما يستعمل في فصد العرق أن يكون محرفاً مورباً شقاً لا غرزاً وهذا الضرب من الفصد سليم من النزف ومن قطع عصب وهو أحمد وأسلم من الفصد ( بالعرض والطول ومن كان يعتاده عند الفصد الغشي فينبغي أن تطعمه قبل الفصد شيئاً من ) خبز منقع في ماء الرمان المر أو السكنجبين إن كان محروراً وأخرج الدم في ثلاث مرات أو أربع وإن كان مبرود المزاج فليأخذ قبل الفصد شيئاً من خبز منقع في شراب المنبه أو في شراب العسل المطيب بالأقاوية أو في الشراب الطيب الريحاني فإن حدث الغشي عند الفصد وكان سببه خروج الدم الكثير فينبغي أن يسقى ماء اللحم والشراب الريحاني الرقيق ويستعمل (التطيب بالغالية ويلخلخ بها صدره ويستعمل) سائر ما ذكرناه في التقسيم في باب الغشي الذي يكون من الاستفراغ. فصد الصافن منفعته للأمراض التي في أسفل البدن وأمراض الكلى وأما من أراد ترويح ذراعه وتسريح دمه ثانية فينبغي ان كان فصده لاستفراغ كثير وقوته ضعيفة أن يسرح الدم قليلاً قليلاً بقدر القوة في أيام متوالية وأما من كان يريد ترويح ذراعه وتسريح دمه ثانية وكان بدنه قوياً فليفعل ذلك على سبع ساعات أو تسع من فصده الأول وأما من كان يريد اجتذاب الدم من بدنه إلى ضد الجهة التي مالت إليها فينبغي أن يروح له في اليوم الثاني أو الثالث. وأما من كان في بدنه الدم كثيراً قد سخن وأحدث حمى فينبغي أن يخرج منه الدم في دفعة واحدة ويخرج منه المقدار الكثير ويوسع الفتح إلى أن يعرض الغشي بعد أن يكون متفقاً لجميع شروط الفصد وأن تضع يدك على نبضه عند سيلان الدم لئلا يحدث الموت مكان الغشي فكثيراً ما يعرض ذلك إذا جهل الفاصد ووقعت الغفلة ، فلا ينبغي إذا أردت حل الذراع وتسريح الدم ثانية وقد انغلق فم العرق وعسر خروج الدم أن تغمز عليه بشدة أو تلوي بقوة فإن ذلك رديء جداً بل اما أن تتركه حتى تفصده ثانية واما أن تنحي بشفرة المبضع ما جمد من الدم في فم العرق أو تحمل عليه شيئاً من الملح قد حل في الماء أو تحمل عليه شيئاً من الترياق الفاروق أو الشكريانا واغمزه غمزاً رقيقاً حتى يخرج الدم فإن كان قد تورم العرق فاتركه ولا تمسه حتى يسكن الورم فإن دعت الضرورة إلى تسريح الدم ثانية ولابد فاما أن تفصده (فوق ذلك الموضع واما أن تفصده في) الذراع الآخر أو في العرق الآخر . وأما فصد حبل الذراع فليفصد عوضاً من الأكحل والباسليق إذا لم يوجدا أو كانا خفيين لأنه مركب منهما وكيفية فصده أن يدخل العليل يده في الماء الحار حتى يحمر الزند ويظهر العرق ظهوراً بيناً ثم تشد فوقه بالرباط قليلاً شداً متوسطاً ثم يفصد العرق على تحريف قليل لا عرضاً ولا طولاً وليكن الفصد واسعاً ويكون فصدك له فوق مفصل اليد قليلاً فإن تعذر خروج الدم فأعد اليد في الاناء بالماء الحار ودع الدم يجري في الماء حتى تبلغ حاجتك فإن كنت في أيام الصيف فقد يستغنى عن إعادة اليد في الماء الحار وأكثر ما تجعل جري الدم في الماء الحار في زمن الشتاء . وفصد هذا العرق أسلم من جميع العروق لأنه ليس تحته عرق ضارب ولا عصب . ينفع عرق النسا وأما فصد الأسليم من اليد اليمنى فهو نافع من علل الكبد وكيفية فصده أن يشد معصم اليد بالرباط أو بيدك بعد أن تدخله في الماء الحار حتى ينتفخ العرق ويتبين للحس جداً ثم تفصده على تحريف قليلاً ( وان بترته لم يضره ) ذلك شيئاً وتحفظ لا تمعن يدك بالمبضع فإن تحته عصب الأصابع والموضع معرى من اللحم. ثم تعيد اليد إلى الماء الحار وتتركه يجري الدم فيه فإنك إن لم تعدها في الماء الحار جمد الدم في فم العرق وامتنع من الجرى فإذا أخرجت من الدم قدر الحاجة فضع على العرق دهناً وملحاً لئلا يلتحم سريعاً فإنه نافع لعلل الطحال وكذلك تفعل في فصده كما فعلت في الثاني سواء . وأما فصد الصافن فمنفعته للأمراض التي في أسفل البدن مثل علل الأرحام واحتباس الطمث وأمراض الكلى وقروح الفخذين والساقين المزمنة ونحوها من الأمراض. وكيفية فصده أن يدخل العليل رجله في الماء الحار وتحمل عليه الدلك حتى يدر العرق ثم يشد فوق مفصل الرجل بالشوكة والعرق موضعه عند الكعب ( ظاهراً نحو الإبهام ويتشعب منه في وجه الرجل شعباً كثيرة فافصده في أوسع شعبة منه أو عند الكعب عند) مجتمعه فهو أفضل وأسلم وان فصدته في وجه الرجل فتحفظ من الأعصاب التي تحته على وجه الرجل واجعل فصدك له بتحريف كأنك تريد بتره ويكون المبضع نشلاً فإن تعذر خروج الدم فليعد رجله في الماء الحار وأترك الدم يجري فيه حتى يفرغ. فإن أخطأ الفاصد العرق بالفصد في أول مرة فليعد بالفصد إلى فوق قليلاً فإن الموضع سالم لا يخشى منه غائلة إذا تحفظت من العصب كما قلنا وكذلك تفعل بالصافن من الرجل الأخرى سواء . عرق النسا وأما عرق النسا فمكانه كما قلنا عند العقب من الجانب الوحشي ومنفعة فصده لوجع الورك ( إذا كان من قبل الدم الحار. وكيفية فصده أن يدخل العليل الحمام وتسرع وتشد ساقه من لدن الورك ) إلى فوق الكعب بأربعة أصابع بعمامة رقيقة طويلة فإنه لا يظهر إلا بذلك فإذا ظهر فافصده على أي حالة أمكنك أما على تحريف وهو أفضل وأما أن تبتره بتراً أو تشقه شقاً فإن موضعه سالم وهو في أكثر الناس خفي جداً فإن لم تجده ولم يظهر للحس ( البتة فافصد بعض شعبه وهي التي تظهر ) في ظهر القدم نحو الخنصر والبنصر وتحفظ من الأعصاب وأرسل من الدم القدر الذي تريد ثم حل الشد ( الذي شددت ) وضع على موضع الفصد قطنة وشد الموضع فإنه سريعاً ما يبرأ إن شاء الله تعالى.