باتت قضايا التنمية الزراعية والأمن الغذائي بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أبرز القضايا التي تلقى اهتمامًا واسعًا على كافة المستويات العربية والعالمية. فقد تصدرت قضية التنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي العربي اهتمامات القادة العرب في بداية الألفية الثالثة نظرًا للدور المحوري الذي يلعبه الملف الزراعي في التفاعل مع التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة. وبرزت أهمية التصدي لكافة المعوقات البيئية والفنية والاقتصادية والتنظيمية التي تقف أمام مسيرة التنمية الزراعية والأمن الغذائي في الوطن العربي ، وتفرض على حكوماتها الاستمرار في نهجها التفاعلي مع التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة. ومن ثم تزايد إدراكها الراسخ بحتمية تعزيز العمل الزراعي العربي المشترك باعتباره الملاذ الوحيد لمجابهة التكتلات الاقتصادية العملاقة والاتفاقيات الدولية التي اتسع نطاقها بحيث أصبح من المستحيل على الدول العربية مجابهتها منفردة دون تعاون وتنسيق وتكامل بما يهيئ إمكانية تعبئة الطاقات والموارد العربية لزيادة الإنتاج الغذائي العربي والتحقق من سلامة الغذاء في ظل التنافسية الدولية ، والارتقاء بمعدلات التجارة الزراعية البينية تحقيقًا لغايات التنمية الزراعية المستدامة في إطار التكامل الزراعي العربي. واستهل الدكتورعبدالله بن ثنيان الثنيان الخبير الاقتصادي ومدير عام الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية حديثه موضحاً بأنه وخلال استعراضه للموارد الزراعية في المنطقة العربية بأن الموارد المائية تتسم بالندرة سواء بصورة مطلقة من حيث تدني متوسط نصيب الفرد من المياه، أو بصورة نسبية مقارنة بالمناطق الأخرى ، حيث يبلغ المتوسط على المستوى العربي حوالي 1057 متر مكعب سنوياً ، ( أي ما يتجاوز بقليل خط الفقر المائي 1000 متر مكعب سنوياً ) ومع ذلك فإن عدداً قليلاً من الدول العربية يتجاوز فيها نصيب الفرد 1000 متر مكعب . كما تتسم الموارد المائية العربية بسوء توزيعها جغرافياً وصعوبة استغلال المتاح منها في كثير من المناطق . وقد تنوعت جهود الدول العربية في مجال تنمية الموارد المائية من مصادرها التقليدية وغير التقليدية طبقاً لظروف كل دولة على حدة من حيث طبيعة هذه المصادر ومدى حدة ندرة المياه فيها . وفيما يتعلق بالموارد المائية المخصصة للزراعة تبدو المشكلة أكثر حدة ، إذ يزداد الطلب على المياه للاستخدامات غير الزراعية بمعدلات متزايدة على حساب الموارد المائية المتاحة للزراعة . واستطرد بأن الأراضي الزراعية تلي الموارد المائية من حيث الأهمية كمحدد للإنتاج الزراعي العربي . فبينما تبلغ المساحة الإجمالية للعالم العربي نحو 14.06 مليون كيلومتر مربع ، فإن نسبة الأراضي القابلة للاستغلال الزراعي لا تتجاوز حاليًا 35 %من المساحة الكلية وهي أقل من نظيراتها على مستوى العالم . كما أن تزايد وتفاقم مشكلة التصحر على المستوى العربي والعالمي ، أصبحا أحد أهم المشكلات التي تواجه تنمية وصيانة الأراضي الزراعية في المنطقة العربية نظراً لوجود أراضيه ضمن حزام المناطق الجافة وشبه الجافة، ومن العوامل التي زادت من معدلات التصحر التناقص المستمر للغطاء النباتي وتدهور المراعى الطبيعية والتي تغطى نحو 28% من مساحة المنطقة العربية . وواصل حديثه بالتأكد على أهمية العمل العربي المشترك لمواجهة التكتلات الاقتصادية العملاقة والاتفاقات الدولية ، مبيناً أن الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية (أكوليد) استطاعت منذ تأسيسها كشركة مساهمة عربية في عام 1975م أن ترسخ مفهوم العمل العربي المشترك بكل مقوماته وذلك باستثمار وتنمية الثروة الحيوانية في الأقطار العربية . إدراكاً منها لأهمية استثمار هذه الثروة استثمارا اقتصاديا من خلال المشروعات العربية المشتركة بهدف المساهمة في سد جزء مهم من الفجوة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي . وأضاف بأن الثروة الحيوانية تعد إحدى الركائز الأساسية للإنتاج الزراعي في البلاد العربية وعاملاً من عوامل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الريفي ، وتشير الإحصاءات أنها قد تصاعدت من نحو 249.3 مليون رأس في عام 1990م ، لتبلغ نحو384 مليون رأس في عام 2009 ، ومع ذلك فإن هذه الثروة تعاني من العديد من المحددات التي تعيق تحسينها وتطويرها ، ولا تزال إدارة الثروة الحيوانية العربية غير قادرة على تحقيق التكامل بين الدول العربية رغم وجود العديد من فرص تحقيقه وبخاصة فيما يتعلق بالموارد الوراثية الحيوانية ، حيث يمكن استثمار السلالات المتميزة في بعض الدول العربية ونشرها في البلدان الأخرى. كذلك فيما يتعلق بالأعلاف الحيوانية ، فمن الممكن استثمار المراعي في الدول التي تتوفر فيها الظروف البيئية لإنتاج الأعلاف ثم تصريفها في الدول التي تعاني من ندرة المياه ، ومن الأمثلة الوضحة لذلك استثمار المراعي في السودان والصومال والمغرب في إنتاج الأعلاف ومن ثم استخدامها في دول الخليج . أما فيما يتعلق بالثروة السمكية العربية فقد بيَن بأنها تنطوي على إمكانيات هائلة، إذ إن جزءًا كبيرًا منها لم يستغل بعد ، حيث تشير المعلومات إلى أن الاستثمارات المحققة في قطاع الثروة السمكية في المنطقة العربية لا تتناسب مع إمكانيات هذا القطاع وحجم الموارد المتاحة فيه ، الأمر الذي جعل مساهمته في دفع مسارات التنمية والأمن الغذائي العربي لا تعكس إمكاناته الكبيرة ، وإذا كانت نسبة الاستثمارات في قطاع الإنتاج الزراعي العربي تتسم عموماً بالضعف فإن نسبة الاستثمار في قطاع الثروة السمكية إلى إجمالي الاستثمار الزراعي تعد منخفضة للغاية . وأشار إلى أن القوى العاملة الزراعية تعد من أهم ركائز التنمية الزراعية في المنطقة العربية بجانب الموارد الإنتاجية الزراعية الأخرى (الأرض والمياه ورأس المال) . وتشكل القوى العاملة الزراعية نحو 32 %من إجمالي قوة العمل في المنطقة العربية. ولأهمية التدريب الزراعي المتخصص في بناء الكوادر البشرية الزراعية كان للتعاون العربي دور مهم في تنفيذ عدد كبير من البرامج التدريبية المتخصصة التي تم تنفيذها من خلال المؤسسات والمنظمات العربية ذات الصلة.