كان النقاش اوائل التسعينيات مع بدايات ظهور شبكة الانترنت يدور حول افضل السبل لاقناع المزيد من الناس للاستفادة من تطبيقاتها الواعدة. وكانت الشبكة وبرمجياتها في مراحل غير واضحة المعالم من حيث اغرائها للمستثمر جراء مخاوف من تردد الناس في الاقبال عليها لكثرة متطلبات الارتباط بالشركات المزودة للخدمة وارتفاع تكاليف الاتصال وعدم وضوح الجدوى من هذا القادم الجديد. وتأسيسا على ذلك تفاوتت التوجهات من مجتمع لآخر ولكن الهاجس الأكبر كان حول سبل تعميم ثقافة التقنية في اوساط الجماهير وكيف يمكن اطلاق مشاريع وبرامج دعم مختلفة لاشراك القطاع الخاص في تطوير منتجات جاذبة وتوفير المزيد من الخدمات اليومية عبر شبكة الانترنت. ومع منتصف التسعينيات تغلغلت الشبكة تدريجيا بين طلاب الجامعات ومنهم تسللت الى المنازل وغرف المعيشة ثم غرف الأطفال والمراهقين لتواجه اولى تحدياتها حين بدت مثار قلق كبير جراء تنامي الخشية انذاك من تأثيراتها السلبية بعد وضوح بعض مظاهر التوظيف الاجرامي لبعض خدماتها. ولكن هذا لم يمنع النمو السريع في عدد مستخدمي الانترنت وفي معدلات الاستخدام الفردي لها حتى ظهرت بوادر ما بات يعرف بادمان الانترنت ما دفع ببعض العيادات النفسية الى فتح مجالات الاستشارة ومساعدة بعض الأسر لانقاذ المراهقين من حالات الانقطاع عن نشاطات العائلة وادمان الشاشة الزرقاء معظم ساعات النهار والليل. ومع تكاثر الخدمات وزيادة معدلات التوظيف الخدماتي لمعطياتها خفّت حدة القلق وانتقلت الشبكة من الكليات والمنازل الى أكف المراهقين والشباب من خلال اجهزة الحاسب المحمول ثم اتصلت أجهزة الهاتف الجوال والاجهزة الكفية قبلها وباتت بذلك الشبكة العنكبوتية تستضيف قرابة مليار وثمانمائة مليون انسان بطول العالم وعرضه ليشكل لهم وبهم العالم الافتراضي اسلوب حياة و ثقافة يومية عبر وسيط يتصلون ويتواصلون من خلاله على مدار الساعة. اليوم تبدو المفارقة العجيبة بين تردّد الجماهير اوائل عهدهم بالانترنت واندفاعهم اليوم الى عوالمها حتى تكاد تكون المهمة اليوم للمخططين ليست في تشجيع الناس لدخول الشبكة كما في أيامها الأولى وإنما دعوتهم للخروج منها الى العالم الفسيح خاصة بعد توفر الانترنت المجانية والنمو المذهل في استخدامات الشبكات الاجتماعية ما جعل الصغار متوحدين مع الشاشات الصغيرة طوال ساعات صحوهم ، واشغل عقول الكبار عبر الشاشات الكبيرة في المنازل والمكاتب. ومما يسترعي الانتباه ان نسبة النمو العالمي في استخدام الانترنت في العشر سنوات الماضية بلغ حوالي 400% وتجاوزت نسبة النمو في المملكة العربية السعودية في ذات الفترة 4800% نعم اربعة آلاف وثمانمائة في المئة والنسبة تتزايد فهل سيأتي زمن نجد فيه من يطلق شعار " اخرجوا السعوديين من شبكة الإنترنت" ليعود الدفء الى منازلنا وحياتنا !! مسارات قال ومضى: على جبين الفجر الآتي.. رأيت أجمل ذكرياتي..