بعضهم يستخدم الكحول في علاج الأمراض الناتجة عن الإشعاع وبعضهم يستخدم آلات بدائية لعلاج سرطان البشرة. إنهم المشعوذون الذين يدعون معرفة بالطب وشاع أمرهم في روسيا في الآونة الأخيرة. الطفل الروسي ديما كاساتشوك البالغ من العمر أربعة أعوام.. لم يكن أمامه أي مخرج عندما انهالت عليه مشعوذة مطلع يوليو في مدينة أوسوريسك شرق روسيا بالضرب "لتخرج منه الجن الذي سكنه". ومضى وقت قصير قبل أن يلقى الطفل المسكين حتفه خنقاً. وليس هذا الموت المأسوي حالة فريدة من نوعها، حيث تكرر عدة مرات في روسيا خلال عمليات "الشعوذة" مما دفع البرلمان الروسي لمواجهة هذا النوع من الجرائم، حيث ينظر حاليا في مشروع قانون يجرم مجرد عمل إعلان لهذا النوع من الشعوذة بدعوى العلاج. لا يزال مشعوذو الأعشاب ومستخدمو الورق في الكهانة يعلنون عن أنفسهم في صفحات كاملة بالصحف الشعبية في روسيا. ومن بين هذه الإعلانات على سبيل المثال إعلان جاء فيه: "نظرة واحدة فقط للكرة البلورية لبابوشكا ناديا تحل جميع مشاكلك الزوجية" وإعلان آخر يقول صاحبه: "سحر سريع، وبالرسالة القصيرة عبر المحمول إن شئت". عن هذه الإعلانات قال فيكتور سفاجلسكي، عضو الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم "روسيا موحدة" في البرلمان الروسي "دوما" إن وراء هذه الإعلانات غشاشين يتقاضون الكثير من المال مقابل تكهناتهم. سفاجلسكي صاحب مشروع القانون يرى أن هذه الكهانة والشعوذة بمثابة "جانب هائل من اقتصاد الظل لا يأبه له المسؤولون رغم أن وراءه منتفعين عديمي الضمير". وحسب تقديرات وزارة الصحة في روسيا فإن نحو 500 إنسان يلقون حتفهم سنويا جراء "طقوس الشعوذة". ويزداد الطلب على العرافين والمشعوذين في مثل هذه الأوقات التي تتسم بالأزمات. وتكمن حقيقة المشكلة في أن معظم الرؤوس دأبوا على تصديق الخرافات ويصف النائب سفاجلسكي الكثيرين من هؤلاء بالسذاجة ويضرب مثالا لذلك باستمرار تمجيد المستشار راسبوتين الأسطوري للقيصر والذي عاش في الفترة من عام 1869 حتى عام 1916. ولم يكن من المدهش أن يعرض أحد أثرياء روسيا 500 ألف يورو على حديقة حيوان أوبرهاوزن لشراء الاخطبوط بول. وبرر هذا الملياردير رغبته في شراء بول بهذا السعر الخرافي بأن روسيا تواجه الكثير من القضايا المحيرة "وعلى الاخطبوط أن يبين لنا الطريق الذي علينا أن نسلكه". وأصبح اللجوء للخوارق شائعا في جميع أوساط المجتمع في روسيا بما فيها الجيش، حيث قال قبطان غواصة نووية في المحيط القطبي الشمالي في حديث لصحيفة "كومرسانت" إن أعضاء طاقم الغواصة يحرصون على شرب الكحول بشكل منتظم وإن ذلك يحدث لأسباب طبية صارمة "لأنه وكما يعلم الجميع فإن جزيئات الكحول تحمي من الإشعاع". ويؤكد العلماء أن هذه النظرية سخف بحت. وفي أحد برامج التنجيم في التلفزيون الروسي نصحت منجمة مشاهدا اتصل بها في البرنامج وقال إنه مريض بالسرطان بربط مسمار في خيط وجعل المسمار يتأرجح بشكل دائم على الورم الخبيث إلى أن يزول. وترى أستاذة علم الاجتماع الروسية أولجا جودكوفا أنه "على الرغم من أن الإيمان بالأساطير منتشر في البلاد الأخرى فإن هناك نزوعا أكبر في روسيا للربط بين أشياء ليس بينها علاقة أصلا، فهناك على سبيل المثال مستشفيات تعلق تميمة فوق منضدة غرفة العمليات بها دفعا للأرواح الشريرة" حسب جودوفا التي أكدت أن هذه الشعوذة تؤدي إلى حدوث مآس بشكل متكرر. وحكم بالسجن 11 عاما على أحد هؤلاء المشعوذين قبل عامين بعد أن كان قد وعد أمهات يائسات بإحياء أطفالهن الذين قتلوا في مأساة باسلان التي خطف فيها أطفال وانتهت بشكل دموي مقابل ما يعادل 1300 يورو لكل طفل. وأكد سفاجلسكي أنه لا يسعى من خلال مشروع قانون من المزمع تقديمه للبرلمان لتدمير الطب الشعبي المتأصل في روسيا "ولكن الناس كثيرا ما يدركون بعد فوات الأوان أن الرقية باليد والاستعانة بالجن في علاج أبنائهم لا تجدي شيئا". ونصح سفاجلسكي أبناء شعبه باستشارة الطبيب عند الإصابة بأمراض عضوية معضلة بدلا من الذهاب لأحد عرافي روسيا الذين يقدر عددهم بنحو ألف عراف. وبموجب القانون المحتمل فلن يعتمد في روسيا لعلاج المرضى سوى الأطباء والحاصلين على شهادات معتمدة للعلاج بالطب الشعبي. ولكن الشهادات المزورة التي يدعي أصحابها أنهم مؤهلون رسميا لمزاولة مهنة العلاج بالطب الشعبي لا تزال منتشرة في روسيا.