بلادنا شحيحة المياه تعتمد على الأمطار الموسمية والتي قد تسقط عاما وتتخلف أعواماً، وفي يوم من الأيام ظن بعض المسئولين عن وزارة الزراعة والمياه أن زراعة القمح لدينا أمن غذائي وأن من لا يملك رغيفه لا يملك قراره خصوصا وأن لدينا من المياه الجوفية ما يعادل صب النيل والفرات 500 عام، وبدأنا مسيرة زراعة القمح وجاء دعم هائل من الدولة حفظها الله لزراعته وقدمت مشكورة تسهيلات وإعانات تجاوزت عشرات المليارات، وكان الخبراء المختصون يدركون خطورة التجربة لكن الواقع الحقيقي أوقفها بعدما استنزفت زراعة القمح مياهنا التي هي أغلى ما نملك، واوجب ما نحافظ عليه ولكن بعد أن غارت المياه وضاعت عشرات المليارات وبقيت الآلات الزراعية التي كلفت الدولة أموالا طائلة تقول إن صوت العقل لابد أن يسمع وأن رأي أهل الفن والتخصص لابد أن يخضع له الجميع. وما تقوم به هيئة سوق المال الآن من استنزاف للسيولة في شركات لا جدوى منها ولا تخدم إلا أصحابها فلن تستمر الاكتتابات ولن يبقى سوق لمكتتب ولا لمتداول كحال زراعة القمح التي استنزفت المياه. وقد أوردت الصحف مؤخراً تقريراً يتحدث عن 5 شركات سعودية تقارب خسائرها 50٪ من رأس مالها ولفت نظري أن أربعاً منها من شركات التأمين شركات العمق، كما أن هناك شركات أخرى في القطاع وعددها أربع تراوحت خسائرها الرأسمالية ما بين 25٪ إلى31٪ وثلاث شركات أخرى من نفس القطاع قاربت خسائرها 10٪ من رأس مالها وذكر التقرير أن 12 شركة من قطاع التأمين خاسرة، وهذا أول الغيث لكن أول الغيث ليس قطرة وإنما هو طوفان قادم.. مقدماته ظهر بعضها وتمثل في الخسائر الرأسمالية الهائلة علما أن قطاع التأمين رؤوس أموال شركاته يعتبر ضعيفاً مقارنة بالمخاطر التي تكتنفه فيما لو زادت المطالب على شركاته ولا شك أن رأس المال القوي من دعائم الاستمرار والبقاء في وجه الأزمات والمخاطر التي هي الطابع الذي يغلب على القطاع، كما أن قلة أسهم هذه الشركات أتاحت للمضاربين السيطرة عليها وتضخيم أسعارها وهذا الأمر يتعارض مع مبادئ الهيئة وهو القضاء على المضاربة وليت الأمر توقف على هذا الجانب فالعديد من الشركات التي تم طرحها اكتتابا تراجعت أرباحها بشكل مفاجئ فهل كانت أرباحها قبل الطرح بفعل فاعل ولو ذهبنا نبحث ونستقصي عن حجم الخسائر التي تكبدها المواطنون في هذه الشركات التي اكتتبوا فيها لوجدنا أن الأمر مروع فالمبالغ التي تآكلت على المكتتبين نتيجة الفرق بين السعر القائم حاليا وبين سعر الطرح أرقاما فلكية تصيب المتابع بالجنون على ضياع مدخرات المواطنين. إذ ليس ثمة فرق بين تلاعب المضاربين بالأسهم ورفعهم لها لمستويات متضخمة لا تتناسب وأداء وواقع وحقيقة موقفها المالي ومع ذلك الهيئة تغرم المضاربين وتعاقبهم بدفع مبالغ تذهب لصالحها دون أن يكون هناك أي تعويض للمتضررين أصلا وأصحاب هذه الشركات الذين طرحوها للاكتتاب لا يختلفون أبدا في حقيقة الأثر الكارثي لطرح شركاتهم عن المضاربين شركات تجمّل ميزانياتها وتفصّلها تفصيلاً وتقدم على أنها فرصة حقيقية للاستثمار وبعد برهة من الزمن يكتشف الجميع الحقيقة المرة وأنها شركات ورقية فالواقع ينقض كل ما سبق والأيام حبلى يلدن كل عجيبة وسيعلم المكتتبون أنهم استثمروا في الهواء والماء فتتراجع الأرباح بدليل أن أصحاب الشركات أنفسهم بدأوا يتخلصون من حصصهم بعد انتهاء فترة الحظر على بيع المؤسسين لحصصهم. إن هذه المليارات التي ذهبت إلى جيوب ملاك هذه الشركات لتزيدهم ثراء إلى ثرائهم والأموال التي احترقت على الذين استثمروا في هذه الشركات ثم تلاشت يطلقون صيحة يجب سماعها من المسؤولين لتدارك الأمر فيها قبل ذهاب زمن الفرصة والعلاج، فقد أصبح سوق الأسهم بلا روح ومتاحا لكل من يريد أن يتخلص من شركاته عندما يصبح مجال العمل فيها محاطا بالمنافسين أو تكتنفه التحديات التي تقود لتراجع الأرباح وأظن الذين يدافعون عن هيئة سوق المال ويرددون أن زمن المضاربات قد ولّى ولن يعود فالهيئة تبني سوقاً حقيقية تقوم على قواعد وأسس اقتصادية سليمة، فلهؤلاء أقول لهم وهذه الخسائر التي نجمت عن هذه الاكتتابات تحت أي مسمى يمكن تصنيفها أو تبريرها هل هو العمق وما هو تفسير ذهاب 1000 نقطة يجمعها المؤشر في عام ثم تفقد في بضعة أيام بحجة أن السوق مؤسساتي ولم يعلم هؤلاء أن سوق الأسهم في كل دولة هو مرآة الاقتصاد.