من لا يصدق أن ميزان القوى العالمي قد بدأ، وإن بشكل تدريجي، ينتقل من الشمال إلى الجنوب فما عليه إلا أن يقرأ خبرين إثنين على الأقل. الأول نشر قبل خمسة أيام فقط. وهو يدور حول ثورة المواصلات في الصين التي تخطط في العام القادم لتجربة قطار يسير بسرعة 500 كيلومتر في الساعة. وهذه قفزة كبيرة بكل المقاييس. فالصين لم تكن تملك، من قبل خمس سنوات فقط، أي سكة للقطارات السريعة. بينما الآن تقود العالم في هذا المجال. وليس ذلك فحسب. فهذا البلد قد أدهشنا قبل بضعة أيام عندما احتل اقتصاده المرتبة الثانية كأكبر اقتصاد في العالم بعد إزاحته اليابان إلى المرتبة الثالثة. مما يعني أن الطريق قد أصبح أمامه ممهدا ليتبوأ بعد خمسة عشر عاماً من الآن، أي في عام 2025 مركز الصدارة الاقتصادية في العالم. فإذا ما أضفنا إلى اقتصاد الصين اقتصاد بقية نمور جنوب شرق آسيا فإنه ليس من الصعب تخيل صورة خريطة الاقتصاد العالمي في المستقبل. خصوصاً وأن اقتصاد الصين قد بدأ في الفترة الأخيرة يميل نحو الاعتماد على الاستهلاك. وهذا من شأنه أن يغير هيكل الاقتصاد الصيني بشكل تدريجي باتجاه زيادة الواردات بدلاً من نموذجه القائم على الصادرات. فإذا ما استمر عجز الميزان التجاري الصيني خلال الفترة القادمة فإن هذا سوف يكون خبرا مفرحا للعالم. لأن ذلك يعني أن التنين الأصفر قد أصبح مرشحا ليحل محل الاقتصاد الأمريكي باعتباره قاطرة للاقتصاد العالمي الذي هو أحوج ما يكون الآن لعربة تجره للأمام وإلى سوق كبيرة تستهلك كل ما ينتجه. أما الخبر الثاني فقد تم نشره قبل ما يقارب أسبوعين تقريبا، وذلك بخصوص إعلان كابيل سيبال وزير الموارد البشرية والتنمية الهندي عن تطوير بلده لكمبيوتر مدرسي محمول بشاشة تعمل باللمس بسعر 1500 روبية (35 دولارا). وهذا السعر مرشح للانخفاض إلى 10 دولارات. أي بحدود 35- 40 ريالا. والهدف من ذلك توفير تعليم أفضل للشباب الهندي وتعزيز مؤهلاتهم التقنية ليصبحوا مؤهلين لخدمة البلاد على أحسن وجه في المستقبل. وقبل عامين من الآن، أي في عام 2008، فاجأتنا الهند بإنتاج أرخص سيارة في العالم تاتا نانو، بمبلغ 100 ألف روبية أو 2500 دولار. وهذه السيارة سوف تباع قريباً في سوقنا بسعر ربما يصل إلى 7500 ريال فقط. وهذا أمر يذكرني بطموح أحد رجال أعمالنا الشباب الذي كان ضمن وفد أصحاب الأعمال في إحدى زياراتهم الكثيرة للخارج. فقد كان هم صاحبنا عام 2003 استغلال تواجده خارج المملكة للبحث عن مخترع يساعده في صنع هاتف جوال بسيط ورخيص ليكون في متناول الجميع. وحجته أننا لا نستخدم الإمكانيات التي تتمتع بها الجوالات الغالية التي نشتريها إلا بشكل محدود وبصفة رئيسية لإجراء المكالمات وكتابة الرسائل القصيرة. ولذلك فإن صناعة جوال يحتوي على هاتين الميزتين فقط وبسعر يتراوح بين 100 و150 ريالا سوف يكون استثمارا ناجحا من وجهة نظره. وإذا كان طموح شبابنا لصناعة جوال مناسب لم يتحقق حتى الآن فإن دخولنا عالم صناعات السيارات قد بدأ. ففي خلال السنوات الثلاث القادمة سوف ننتج 20 ألف سيارة "غزال1". قد يقول البعض أن المشاركين في صناعات غزال1 جهات كثيرة ومتعددة، بحيث يصعب أن تتم فرحتنا باعتبارنا إياها سيارة سعودية 100%. ولكن في عالم اليوم المترابط اقتصادياً قد يكون من الصعب على أي بلد إنتاج أي سلعة بمفرده. فصناعة القطارات الصينية التي أشير إليها في البداية هو مشروع صيني ياباني مشترك. ولماذا نذهب بعيداً والمراسلات قريبة منا. فهناك لن تجد في العرض غير الجوالات المنتجة، من قبل شركة نوكيا الفنلندية أو غيرها، في الصين. ولذلك فإن إنتاج غزال1 سوف تكون، إن شاء الله، باكورة دخولنا عالم الصناعة التحويلية المتطورة. فنحن جزء لا يتجزأ من عالم الجنوب الذي يسير حثيثاً ليصبح القوة الاقتصادية المهيمنة على العالم في المستقبل.