أهي سيرته الخاصة أم سيرة مدينته ، هذا السؤال ينبثق أثناء قراءة كتاب "اسطنبول الذكريات والمدينة" لأورهان باموق، سيرة مذهلة قدمها في قالب سردي تحدث فيها باموق عن حياته الخاصة وأسرته، وتحدث كثيراً عن اسطنبول، وهذه المدينة حاضرة في أغلب رواياته، هذا الكتاب السيرة يستحق القراءة وذلك لبساطته وللرصد المعلوماتي المدعوم بالصور الخاصة بأورهان باموق منذ طفولته وكذا الصور القديمة والنادرة لمدينة اسطنبول، وهنا أتساءل هل مدن المملكة .. الرياض كمثال حاضرة في روايات السعوديين والسعوديات، وبالطبع إذا سلمنا أن هنالك من ذلك العدد الكبير بعض الروايات التي تصل إلى مرحلة الرضا بأنها فعلاً روايات جيدة، أعود إلى السؤل هل مدن المملكة حاضرة، بمعنى أن رواية ما تضيف للقارئ غير السعودي بعضاً من حياة تلك المدن، بحيث يعرف جزءا من تاريخ الرياض أو ملامح جدة، وهكذا، للأسف الإجابة حتى الآن ووفق ما قرأته واطلعت عليه، مدن المملكة غائبة تماماً، حتى الروايات التي تحمل أسماء المدن، المدن بها غائبة وأكبر مثال "بنات الرياض"، قد نقول بأن الروائي يحمل في داخله مشروع مدينة، هي ليست المدينة التي يعيش بها، ولكن مدينة موازية، قد تكون المدينة الحلم أو المدينة الفاضلة، ولكن، ومع ذلك من المهم أن تكون المدينة جزءا من ذاكرة الروائي، بالمقابل يكون الروائي جزءا من سيرة المدينة، لذا لا نستغرب أن نجد بين الكتب السياحية للتعريف بمعالم اسطنبول التاريخية، أعمال باموق وكمال ونسين وغيرهم من الروائيين الأتراك، الرواية هنا في المملكة ينظر لها كمشروع عبثي أو نزوة أو سير مع الركب أو تقليد أو بحثاً عن البريق، وهنا ضاع الجيد بين مئات الأعمال الرديئة، ومع غياب النقد والغربلة، رأينا كائنات روائية غريبة، ومدن مشوهة، وحتى لا أفهم خطأ أنا لا أطالب بتقارير أشبه بالتقارير الصحفية التي تصف الأمكنة، ولكن ثمة وصف يحققه الإبداع الروائي الجيد، فتكون المدن فيه حاضرة، وأنا هنا أقول زمن مدن الملح انتهى، فذلك النسق الروائي كان خلفه مشروع خاص، تحقق من خلال كتابته، وتجاوزه عبد الرحمن منيف إلى أرض السواد، إنني أحلم بحضور حقيقي للمدن في رواياتنا، فنصبح جزءاً من هذه المدن وتصبح المدن التي تسكننا ونسكنها حاضرة دائماً في إبداعنا.