الكم والكيف.. دائما ما يكونان محرضين على سؤال يتردد بين كم الأوراق والأجزاء، وبين النوع والقيمة.. بعد أن بقي الحجم الكبير مقتصرا على المعاجم والموسوعات، إلا ما ندر مما اقتضاه جديد الباحث وعمق الدراسة.. ما جعل (ثقافة اليوم) تعيد السؤال تجاه حجم الكتاب، وما تبقى له في ذاكرة قراء اليوم.. الدكتورة عواطف بنت محمد نواب، أشارت إلى أن العبرة عادة ما تكون بوجود القارئ، لأن وجوده يفترض الإقبال على الكتاب بوجه عام أيا كان كمه.. موضحة أن القارئ لا يزال موجودا على مختلف مستويات أحجام الكتب، متى ما نظرنا إلى مجالات تخصصات القراء اليوم، ومتى ما سوق إليهم الكتاب بشكل جيد. وقالت عواطف: طبيعة التخصص تفرض على القارئ قراءة الكتاب أو اقتنائه أيا كان حجمه، كما أن القيمة والجدة العلمية، تحرض القارئ على اقتناء الكتاب، كيفما كان قطعه، وعدد صفحاته، إلا أن القارئ اليوم لم يعد شغوفا بكبر أحجام المؤلفات أو عدد أجزائها، عطفا على تجارب القراء مع أحجام الكتب، التي ربما فرضها الموضوع على الكاتب.. مختتمة نواب حديثها بالتأكيد على أن العبرة ليست بحجم الكتاب، فهناك مؤلفون لم يخرجوا من كم ما كتبوه سوى بإجهاد النفس، وتشتيت القارئ، عبر الإسهاب والحشو والإطناب.. الذي لابد وأن يكتشفه القارئ ليتنبه إليه مستقبلا مع كم مماثل في كتاب آخر. أما الدكتور إبراهيم بن محمد أبانمي، فقد نوه إلى ما يحتله الكتاب ذو الحجم الكبير من هيبة بين الكتب مشبها أياه بهيبة الشيوخ والسادة.. ما يجعله يتلقاه باحترم أول وهلة، إلا أنه في الوقت نفسه يفرض عليه سقفا مرتفعا من التوقعات، فأحكامه أثناء القراءة بحسب المكانة الكمية التي ادعاها لذاته. د.ظافر الشهري وذكر أبانمي أنه لا يثق - عادة - بكتيب يحمل عنوان منتفشا، رغم إقراره بالقيمة العلمية للعديد من تلك الكتيبات بما يرجح بذاوت الأجزاء المنتفخة بطنة ومرضا.. مشيرا إلى أنه كقارئ لديه الوعي بالقراءة فكم الكتاب يغريه وليس مخادعا له.. منبها إلى أن حجم الكتاب يخلق تلازما معضلا بين الكاتب والناشر، الذي يجعل من المؤلف متقاعسا عن الكتابة المتطاولة، إذا لم يكن واثقا من الناشر الذي سيتلقاه في آخر الطريق، متى ما أدرك أن الناشر لا يعتني بالعلم ونشره قدر عنايته بالمال.. من جانب آخر أوضحت أستاذة الأدب والنقد بجامعة الملك فيصل الدكتورة حمدة العنزي، أن الحديث عن هذا الموضوع يدخل في علاقة جدلية بين الكم والكيف، مشيرة إلى أنه من المتعارف عليه، بأنه كلما زاد الكم نقص الكيف وعلى العكس منه، من دون أن يكون قاعدة ثابتة أو مطردة.. مشيرة إلى أن هناك ثنائية رأي تجاه هذا الموضوع، إذ يرى بعض القراء أن الكتاب لا يقاس بحجمه بل بمحتواه، ومضمونه الثر.. بينما يرى الأكثرية من العامة ومتوسطي الثقافة، بأن الكتاب الأكبر حجما، لا بد وأن يكون أعمق، تقديرا للحجم، حتى في ظل الإحجام عن اقتنائه، إذ إنهم يقدرون الكم تبعا لثقافة مجتمع بسيط، دائما ما يقدر الأكبر والأعلى والأضخم.. أما فيما يتعلق برؤية المؤلف إلى كم كتابه، قالت العنزي إن هناك نظرة مشابهة لسابقتها، عطفا على ما نشاهده من مؤلفات الكم.. موضحة ذلك من منظور وصفته بالإنصاف بأن أكثر هذه الحالات ظاهرة ومشاهدة في الوسط الأكاديمي، إذ يعمد الباحث إلى الحشو في رسالته لتصل إلى مئات الصفحات متباهيا بذلك، رغم خلوها من المضمون. وعن اقتناء الكتاب الكبير مضت حمدة قائلة: اعتقد أنه أصبح حكرا على بعض القراء المثقفين والأكاديميين، أما بقية القراء حتى وإن قدروا حجم الكتاب إلا أنهم عازفون عن اقتنائه، لأنهم يرون في الكتاب الصغير ما يوائم عصر السرعة والعولمة، ولا بد أن أقول بأسى، أن الإقبال على الكتاب أيا كان حجمه ليس بالشكل المطلوب، فعزوف المجتمع عن القراءة حقيقة لا يمكن إنكارها، إلا أنها تحتاج منا إلى وقفة جادة وعلاج فعال. أما الدكتور ظافر الشهري، فقد نظر إلى مسألة حجم الكتاب من منظورين، وذلك من خلال تقسيمه القراء، إلى قراء ما قبل الانترنت، الذين وصفهم بعشق القراءة واقتناء الكتاب أيا كان حجمه، إلى جانب قدرتهم على التمييز بين الغث والسمين فيما يؤلف، وفيما تحفل به الرفوف من كتب التراث، عطفا على درايتهم بالكم والكيف.. إضافة إلى ما يربطهم من ود للكتاب الورقي، وصلة دائمة بقراءته. وعن النوع الثاني من القراء قال الشهري: جيل اليوم، أو قراء ثورة الانترنت، هو أبعد ما يكون عن قراءة الكتاب وخاصة الكتب ذات الأحجام الكبيرة، فأغلب قراء هذا الجيل يبحثون عن معلومة مقتطفة سريعة عبر مواقع الشبكة الحاسوبية، من دون أن يفكر في العودة إلى الكتاب للبحث عن المعلومة فيه كمرجع، بعد أن تعددت وسائل المعرفة وأوعية المعلومات ووسائطها، مقارنة بالجيل السابق الذي لم يكن لديه سوى الكتاب.