مدرب عمان يأمل في تعويض خسارة السعودية بمواجهة المغرب    محافظ صبيا المكلف يرعى حفل "اليوم العالمي للتطوع 2025"    والدة اللواء ال دخيل الله في ذمة الله    "بيرنيز" تفوز بجائزة PRCA MENA 2025 لأفضل حملة علاقات عامة لمشروعٍ عقاريٍّ في السعودية    خبراء بمنتدى القطاع غير الربحي: الذكاء الاصطناعي يقود استثمارات خيرية تتجاوز 10 مليارات دولار عالميًا    شهود وموظفو إغاثة: "قوات الدعم السريع" تحتجز سكان الفاشر مقابل فدى وتقتل أو تضرب غير القادرين على الدفع    "التحالف الإسلامي" يختتم مشاركته في معرض جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    نائب أمير الشرقية يطلع على عدد من الجوائز والاعتمادات العالمية لتجمع الشرقية الصحي    امير القصيم: جهود رجال مكافحة المخدرات خط الدفاع الأول لحماية شباب الوطن وأمنه واستقراره    الأسهم العالمية ترتفع، والدولار يتجه لأطول سلسلة خسائر منذ 50 عام    جمعية الإعاقة السمعية تزور مجمّع بيش الثانوي احتفاءً باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    سفير المملكة في الأردن يرعى حفل ذوي الإعاقة في الملحقية    صالح الشهري: مستعدون لمواجهة جزر القمر    نوفمبر دوري يلو".. غزارة تهديفية في 4 جولات    السودة للتطوير والشركة الوطنية لنقل الكهرباء توقعان اتفاقية بقيمة 1.3 مليار ريال لإنشاء البنية التحتية الكهربائية لمشروع قمم السودة    السعودية تسجل رقما عالميا في موسوعة غينيس كأكبر عدد من المشاهدين لدروس مباشرة عن التطوع    تحت رعاية خادم الحرمين .. العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة ينطلق في التاسع من ديسمبر الجاري بالرياض    وزير الخارجية يستقبل رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر ويرأسان اجتماع اللجنة التنفيذية للمجلس التنسيقي بين البلدين    مفتي عام المملكة يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون    النفط يرتفع وسط تفاقم التهديدات الجيوسياسية ومخاوف الامدادات وتعثر محادثات السلام    الهيئة العامة للمحكمة الإدارية العليا تقرر اختصاص المحاكم الإدارية بنظر الدعاوى المتعلقة بمزاولة المهن الصحية    قمة البحرين تؤكد تنفيذ رؤية خادم الحرمين لتعزيز العمل الخليجي وتثمن جهود ولي العهد للسلام في السودان    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    مفردات من قلب الجنوب ٣١    أمير تبوك يواسي في وفاة محافظ الوجه سابقاً عبدالعزيز الطرباق    شي: الصين ستقدم مساعدات إنسانية بقيمة 100 مليون دولار لغزة    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمحافظة    "يونا" تستضيف اجتماع الطاولة المستديرة حول التعاون الإعلامي بين روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي    ختام فعاليات مؤتمر حائل الدولي لطب نمط الحياة .    تحت رعاية خادم الحرمين ونيابة عنه.. أمير الرياض يكرّم الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    500 طائرة طلبيات شركات الطيران السعودية.. 280 ملياراً استثمارات النقل والخدمات اللوجستية    جمعية لمصنعي الآلات والمعدات    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    آل حمدان يحتفل بزواج أحمد    ضبط 760 كجم أسماكاً ودواجن فاسدة بعسير    نائب وزير العدل: 8.5 مليون مستفيد من خدمات «ناجز »    "بر الرياض" تعقد جمعيتها العمومية وتطلق هويتها الجديدة وخطتها الإستراتيجية 2030    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    تسحب الجمعة في واشنطن بحضور كوكبة من المشاهير.. العالم يترقب قرعة مونديال 2026    منتخب الجزائر يفلت من كمين السودان.. العراق يعبر البحرين بثنائية ويتصدر «الرابعة»    سمر متولي تشارك في «كلهم بيحبوا مودي»    معرض يكشف تاريخ «دادان» أمام العالم    الأردن يتغلب على الإمارات ويتصدر «الثالثة»    تعاون سعودي – كيني لمواجهة الأفكار المتطرفة    18 مليون دولار من المملكة وبريطانيا لمشاريع باليمن وبنغلاديش    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    الكلية البريطانية تكرم الأغا    هرمونات تعزز طاقة المرأة العاملة    افتتاح متحف زايد الوطني في أبوظبي    قمة خليجية- إيطالية في البحرين لترسيخ الشراكة    نقاط خدمة جديدة لحافلات المدينة    إقحام أنفسنا معهم انتقاص لذواتنا    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عسير: قراءة أخرى لحضارة الجزيرة العربية
نشر في الرياض يوم 31 - 07 - 2010

في ظهران الجنوب دعاني أحد الأخوة لمشاهدة "طريق الفيل" وهو أحد معالم المنطقة، فتذكرت العلاقة بين "الحبشة" وجنوب الجزيرة العربية، هذه العلاقة التي تثير الكثير من الأفكار حول أصول الأشكال المعمارية في اليمن وجنوب المملكة (عسير وجازان ونجران)، الأمر الذي يعني البحث في انتقال هذه الأشكال وتفسيراتها المحلية واستقرارها النهائي في مناطقها المحلية الموجودة في وقتنا الحاضر، فمن خلال الدراسات التي قمت بها سابقا حول "الشكل المعماري" بصورة عامة تبين لي أن الأشكال تظهر للوجود "غريبة" في موطنها ثم تنمو وتطور وتتفاعل مع الناس وأخيرا تستقر كأشكال تمثل الذاكرة الجماعية وتعبر عن شخصية المكان. ولعل هذا يجعلني أتحدث عن دراسة ألمانية حول علاقة الحبشة باليمن قدمت في المتحف البريطاني في لندن، الأسبوع الفائت (ضمن المؤتمر السنوي للدراسات العربية) فلقد أكدت هذه الدراسة على وجود علاقة قوية بين اليمن وبين شمال أثيوبيا منذ فجر التاريخ وحتى القرن السادس الميلادي (ظهور الإسلام) وأشارت الدراسة لتأثير اليمن القوي على أثيوبيا، وللهجرات الأثيوبية لليمن واستقرار بعضها في تهامة، خصوصا في الفترة التي امتدت على مدار النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد. والواضح بالنسبة لي أننا أمام علاقة تاريخية تثير اهتمام الباحثين ربما ينتج عنها فهم أعمق للتأثيرات المتعددة التي شكلت عمارة جنوب الجزيرة العربية، وهو ما تؤكده دراسة أخرى قدمت في نفس المؤتمر تناولت علاقة السكان في جنوب الجزيرة مع شمال القرن الأفريقي (اريتريا وشمال إثيوبيا) في الألفية الأخيرة قبل الميلاد (قدمها ديفد فلبسون من جامعة كامبردج)، فقد اكتشفت بعض المعابد السبئية، في شمال القرن الأفريقي، الأمر الذي يؤكد وجود هذه العلاقة القوية بين الجزيرة والعمق الأفريقي حتى على مستوى المكون اللغوي.
البحث في أصول الأشكال المعمارية هو بحث في أصول الحضارة وفي تطورها والمكتسبات التي اكتسبتها والمؤثرات التي تأثرت بها خلال نموها وتشكلها وسقوطها وولادتها من جديد.
الأسئلة التي تبادرت لذهني بعد زيارة منطقة عسير كانت تدور في فلك هذه التأثيرات "اليمنية/الأفريقية" التي صنعت خليطاً عمرانياً تطور محليا وتشكل ليصبح مصدراً أساسياً لفهم عمارة الجزيرة العربية كلها. ففي مساحة محدودة يمكن للإنسان مشاهدة تنوع عمراني ملفت للنظر، فمن ظهران الجنوب التي تقع على أطراف الصحراء تبدأ العمارة الطينية التي تشترك مع نجران في كل تفاصيلها وتمتد حتى الجنوب اليمني حيث تشكلت مفاهيم العمارة الطينية بكل تنوعها، وامتدت حتى سلطنة عمان ووسط الجزيرة العربية وساحل الخليج خصوصا مع الهجرات المبكرة من اليمن إلى وسط وشرق الجزيرة العربية (بنو عبدالقيس في الاحساء على سبيل المثال). المتتبع للعمارة الطينية في وسط الجزيرة العربية (أشيقر) على سبيل المثال لا يجد اختلافاً كبيرا بينها وبين عمارة ظهران الجنوب إلا في ارتفاع المباني وبعض التفاصيل "المحلية" المرتبطة بالتقنية وبالمقدرة على البناء وتوفر مواد البناء بينما يشكل التخطيط الحضري للقرية "الواحة" عاملاً مشتركاً لا يمكن إنكاره.
والذي يبدو لي أن هناك امتداداً عمرانياً صحراوياً من اليمن إلى وسط وشرق الجزيرة وحتى سواحل الخليج عندما يبدأ تلاقح العمارة الصحراوية مع عمارة الساحل وتظهر تأثيرات الضفة الشرقية للخليج (الفارسية والهندية) والتي تتشكل منها عمارة مختلفة لكنها تحمل بذور عمق الجزيرة وتفاعلها مع الحضارات الأخرى. كما أن هناك امتداداً جبلياً نشاهده في عسير ابتداء من تداخل عمارة الطين مع الجبل في سراة عبيدة ("الرغف" في قرية الخلف على سبيل المثال) إلى العمارة الحجرية الخالصة في رجال ألمع وتشكيلات أخرى لعمارة الجبل على امتداد النماص (بني الأحمر وبني الأسمر وتنومة والنماص) وكلها أنماط جبلية تختلف من منطقة إلى أخرى لتمتد بعد ذلك على طول جبال السراة (الباحة والطائف) حتى مكة المكرمة حيث يبدأ مركز عمراني جديد يربط عمارة الشمال (الشام ومصر وساحل البحر الأحمر) مع عمارة الجنوب. هذا التصور الأولي يجعلني أفكر كيف يمكن أن نبني نظرية عمرانية قائمة على "هجرة" الأنماط العمرانية وتوطنها في مناطق الجزيرة العربية وكيف يمكن أن نشكل قاعدة منهجية لدراسة هذه الأشكال وعلاقتها ببعضها والمؤثرات التي دخلت عليها وجعلتها تبدو أكثر محلية، فمثلا هناك اختلافات على مستوى التكوين الفراغي لمساكن جدة ومكة والمدينة وينبع رغم أنها تبدو متشابهة للوهلة الأولى من الخارج (كونها جميعا تستخدم الرواشين في تغطية الفتحات الخارجية).
البحث في أصول الأشكال المعمارية هو بحث في أصول الحضارة وفي تطورها والمكتسبات التي اكتسبتها والمؤثرات التي تأثرت بها خلال نموها وتشكلها وسقوطها وولادتها من جديد. في الجزيرة العربية قامت حضارات كبيرة (عاد وثمود) وهناك مدن عملاقة لم يعد لها وجود (إرم ذات العماد والجرهاء) لكنها بكل تأكيد تركت أثرا استمر في المدن والعمارة التي أتت بعدها. كما أن هناك عمارة توقفت كشواهد مثل عمارة الأنباط في البتراء ومدائن صالح (وينحتون في الجبال بيوتاً آمنين) فهذه العمارة توقفت عند هذا الحد في الجزيرة العربية لكننا نشاهد ما يشبهها في صحراء شمال أفريقيا العربية في "غريان" الليبية و"مطماطة" التونسية حيث تُنحت البيوت في الجبال. نحن أمام كم هائل من الأسئلة المعرفية التي تتطلب عملاً فكرياً منهجياً لاكتشاف أصول العمارة العربية "الأولية" حيث تمثل الجزيرة العربية المسرح الأساسي الذي تشكلت فيه هذه العمارة ولأنها منبع الحضارة العربية وموطنها الأصلي، الأمر الذي يتطلب مزيداً من البحث للكشف عن مزيد من العلاقات التي شكلت مكون الحضارة العربية بشكل عام، مع علمي أنه يصعب الحصول على بقايا مادية- خصوصا العمارة الطينية- قديمة يعتمد عليها، كون العمارة الطينية محدودة العمر مقارنة بالعمارة الحجرية، الأمر الذي يزيد البحث صعوبة، لكن هناك مسألة "توارث الأشكال" بكل تقنياتها وبكل نظمها الاجتماعية التي اعتمدت عليها العمارة الطينية خلال بقائها، هذا التوارث شابه بعض التطوير ودخلت عليه بعض المؤثرات لكنه احتفظ بجوهره، وهو ما يعني أننا نستطيع البحث في الأصول حتى الوصول لمنبع أشكال هذه العمارة.
ما أود أن أقوله هو أن البحث في الدور الحضاري للجزيرة العربية يبدأ من "العمارة" ومن مكونها التقني والاجتماعي ومن المؤثرات التي صنعتها فحتى العمارة السبئية القديمة بحاجة إلى بحث في بداياتها وفي علاقتها بالشام (حسب الرواية القرآنية)، كما أنه بحث يبدأ من جنوب الجزيرة العربية كموطن أول للعرب ومن "هجرة" الناس وعمارتهم من هذه المنطقة إلى كافة أجزاء الجزيرة وتلاقح هذه العمارة بالحضارات الأخرى وتشكل "المحليات" كبدايات جديدة، وتطور هذه المحليات بعد ذلك. لابد أن أقول إن زيارة عسير كانت مثيرة على المستوى المعرفي وخلابة على مستوى المشهد الجمالي، فالعربي القديم الذي عاش في هذه المناطق الوعرة تعلم كيف يبني حضارته بأقل الموارد، وحمل معه هذه الثقافة في الجبل والصحراء والبحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.