يبدو أن الأزمة السياسية والإعلامية الخطيرة التي تورطت فيها إسرائيل لن تنتهي في وقت قصير. فالعالم كله يطالب ويطلق المبادرات لرفع الحصار عن غزة، وإلى إجراء تحقيق دولي حول ملابسات الهجوم على “أسطول الحرية”. أيضا لم تنجح الولاياتالمتحدة في إقناع تركيا بخفض وتيرة التحريض وإشعال الوضع أكثر، كما أن المنظمات الإسلامية وتلك المؤيدة للفلسطينيين يعدون أنفسهم للقيام برحلات بحرية تحريضية أخرى. وإذا كان ما سبق ليس كافياً، فإن استمرار الأزمة الحالية سيعرقل الجهود الدولية الرامية إلى وقف البرنامج النووي الإيراني. وإذا لم تعرف الحكومة في تل أبيب كيف تدير هذه الازمة كما ينبغي، فإن هذه الأزمة ستعمق عزلة إسرائيل حتى تتحول إلى “دولة مارقة”. ولكن وبالرغم من كل ذلك فإن الوضع الحالي يحمل في طياته شيئاً من الأمل، كما أي قضية دولية أو محلية. فقد خلقت هذه الأزمة وضعاً سبق أن أسماه وزير الخارجية الأميركي الأسبق كيسنجر ب “إناء يغلي”، والمقصود هو أن أي مواجهة سياسية أو عسكرية خطيرة مثل هذه تهدد الاستقرار العالمي والإقليمي، لكن الأطراف الأساسية في هذا الصراع لديهم مصلحة في إنهائه بسرعة، عبر التوصل إلى اتفاق يمنع استمرار الأزمة فترة طويلة. والوصف السابق ينطبق على الوضع الحالي في غزة. فالولاياتالمتحدة والرباعية الدولية والناتو بدأوا فعلياً في بحث خطوات تهدف إلى تهدئة الأزمة الحالية ومنع حدوث أي صدام جديد بسبب ما تعيشه غزة. وعليه يتوجب على إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة وتعمل خلال الأيام المقبلة على إطلاق مبادرة، بدلاً من أن تجرها واشنطن والمجتمع الدولي إلى تسوية تتعارض مع مصالها الأمنية، وربما ستجد نفسها مضطرة إلى استجداء التهدئة من تركيا بشكل يقلل من هيبتها وقوتها الرادعة. عناصر المبادرة الإسرائيلية المقترحة 1- الموافقة على إجراء تحقيق دولي حول حادثة اعتراض القافلة البحرية بحسب المخطط الذي اقترحه الامين العام للامم المتحدة، لأن هذا المخطط يضع اسرائيل وتركيا في موقف متساوٍ في التحقيق. ويرأس هذه اللجنة شخصيات دولية متفق عليها في الجانبين. هذه اللجنة ليست سيئة بل إنها ستكون فرصة لاسرائيل للإدلاء بكل ما لديها كيفما تشاء وتكشف التفاصيل التي بيديها واختيار الشهود الذين سيمثلون أمام اللجنة. كذلك ستكون اسرائيل شريكاً مؤثراً في صياغة النتائج. 2- تطالب اسرائيل الاممالمتحدة وبمشاركة الرباعية الدولية باقامة جهة دولية مسؤولة عن ترميم الاقتصاد في القطاع والبنية التحتية المدنية (التي دمرها العدوان الاسرائيلي)، وتكون الاموال والمساعدات لغزة الآتية من الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي والدول الاسلامية بأيدي الأعضاء وتحت إدارتهم، كما يكون أعضاء هذه الجهة الدولية مسؤولين عن التخطيط للبناء ووضع الخطط الاقتصادية ومراقبة تنفيذها بالتنسيق مع سلطة حماس ومصر واسرائيل. كما أنهم سيكونون مسؤولين عن عدم استخدام مواد البناء التي ستدخل غزة لأغراض غير مدنية. 3- إذا تم قبول هذا الاقتراح، على إسرائيل أن تعلن عن رفع تام للحصار البري عن غزة، وتخفف حصارها البحري. «التنازل» الإسرائيلي في هذا الشأن لن يكون كبيراً، لأن القيود الكبيرة التي فرضتها إسرائيل على الحركة التجارية عبر المعابر من و إلى غزة وحركة المواطنين لم تقوض سلطة حماس. بل على العكس فسنوات الحصار الثلاث رسخت سلطة حماس لدى السكان في القطاع. فقد أدت الضائقة الاقتصادية والبطالة الى تمسك المدنيين بحماس. كما أن كل ذلك لم يُحدث أي تقدم مهم في قضية الجندي الأسير شاليط، ولم تمنع عمليات حفر انفاق التهريب. ومراقبة الجهة الدولية لعمليات البناء ستكون مفيدة للغاية خصوصاً إذا راقبت إسرائيل هذه العمليات وبلغت الاممالمتحدة أولاً بأول على السرقات أو الاستخدام العسكري المحتمل من جانب حماس للمواد التي ستدخل للقطاع. 4- استبدال الحصار البحري على غزة بترتيب تكون فيه جميع السفن والقوافل المتجهه الى غزة تنطلق من قبرص او ميناء العريش المصري. بحيث يتم تفتيش المسافرين والحمولة على يد مراقبين دوليين وبضمنهم مراقبين اسرائيليين. وتراقب اسرائيل السفن في عرض البحر خلال رحلتها الى ميناء غزة للتأكد من عدم تحميلها في عرض البحر لمواد ممنوعة أو أشخاص محظور دخولهم. 5- على اسرائيل أن تُعلن بوضوح عن أنها تحتفظ لنفسها بحق الرد على أي حادث «عدواني» من داخل القطاع ضد مواطنيها وجنودها بالشكل الذي تراه مناسباً. 6- تعلن اسرائيل عن رغبتها واستعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة وحثيثة مع السلطة الفلسطينية، من أهدافها التوصل الى حل جذري لمشكلة السكان في قطاع غزة. وتؤكد اسرائيل كذلك بأن تحقيق التسوية يستوجب انصياع حماس للسلطة الفلسطينية وشروط الرباعية الدولية. العيب الأساسي في هذه المبادرة الاعتراف فعلياً بسلطة حماس في غزة، كما أنها لا تتطرق لقضية شاليط. لكن من الجانب الآخر يجب علينا الاعتراف بالحقيقة المؤلمة وأن سلطة حماس واقع راسخ في غزة. كما أن اشتراط اطلاق سراح شاليط لتنفيذ هذه المبادرة ربما ينسفها وتمنح حماس فرصة للتحكم مجدداً في الاجراءات السياسية الهادفة لتحسين صورة اسرائيل الدولية. كذلك هناك أمر سيئ آخر وهو نابع من احتمال أن ترفض حماس هذه الخطة، وعندها سيبقى الحال على ما هو عليه. إن تخفيف الحصار على غزة من جانب واحد سيُفسر على أنه خضوع إسرائيلي للضغوط، ويطيل أمد الازمة مع تركيا. لكن الامور السيئة السابقة تتضاءل أمام الفوائد الواضحة التي ستحققها اسرائيل من هذه المبادرة، فهي سترفع بذلك الضغط الدولي والاعلامي والسياسي، وتُلغي شرعية القوافل التحريضية التي تنوي المنظمات الاسلامية وتركيا تسييرها لكسر حصار غزة، الذي يُستخدم ذريعة للمطالبة بعزل إسرائيل. كذلك سترى تركيا بتشجيع من الولاياتالمتحدة ودول الناتو في المبادرة الاسرائيلية استجابة لمطالبهم وتدفعهم لتهدئة الوضع، كما ستضع المبادرة الكرة الاعلامية والسياسية الى ملعب حماس. فاذا رفضت دخول لجنة الاعمار المدني المقترحة التابعة للامم المتحدةلغزة ستتحمل هي مسؤولية استمرار الحصار وستسبب في انهيار المفاوضات السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين. الى جانب ذلك جدير بالذكر ان التجربة الاسرائيلية تثبت طوال العقود الستة منذ إنشائها ان الضربات التي تلقتها في الاحداث المشابهة حدثت عندما اضطرت الى الاستجابة لخطوات الطرف المضاد، وفي الحالات التي كانت فيها هي المبادرة كانت لها الكلمة الاولى دائماً. * «يديعوت أحرونوت»