أجمع خبراء الشأن الأمني في الجزائر أن نشاط الجماعات الإرهابية خلال العام 2004 انحصر بشكل كبير رغم استمرار بعض الاغتيالات التي استهدفت العسكريين وأفراد الأمن في كمائن وحواجز مزيفة فضلا عن مداهمات ليلية لبيوت المدنيين الذين يقطنون مناطق معزولة ونائية تجاوز عدد ضحاياها ال 80 قتيلا وأكدت هذه التحاليل أن التجهيزات الحربية المتطورة التي استطاعت الجزائر اقتناءها في الفترة الأخيرة بعد رفع الحظر الذي كان مضروبا عليها طيلة سنوات العشرية السوداء، كانت وراء النزيف الذي شهدته التنظيمات الإرهابية في الجزائر العام 2004 إما بمصرع عناصرها على يد قوات الأمن الجزائرية أو بإعلان التوبة والتخلي عن السلاح. المصالحة الوطنية مقابل سياسة «الكل أمني» وتضيف تحاليل المختصين أن المحدودية التي تميز بها نشاط الجماعات الإرهابية خلال العام 2004، وقال بشأنها مسؤول أمني رفيع المستوى ان عناصرها التي ما تزال تنشط في الميدان تتراوح ما بين 300 إلى 500 إرهابي في حين تتحدث جهات أخرى عن 800 إرهابي، لا يعني أنها أصبحت لا تشكل خطرا على المجتمع، باعتبار أنه كلما قلّ عدد هؤلاء، كان خطرهم أكبر لسهولة تحركهم وقدرتهم على تنظيم أنفسهم، والدليل على ذلك، تمكن مجموعة إرهابية خلال الأسبوع الأخير من العام 2004 من ذبح 4 أفراد من عائلة واحدة باستعمال السلاح الأبيض على مشارف العاصمة الجزائر في بلدة نائية لا تبعد عن العاصمة إلاّ بحوالي 30 كلم في ظرف كانت تصريحات لمدير الأمن الوطني السيد علي تونسي أكدت أن العاصمة أصبحت منطقة محرمة على عناصر التنظيمات الإرهابية، وأن تحركات هؤلاء أصبحت محل متابعة وتحكم سريع من جانب أجهزة وقوات الأمن . وبمقابل الاستمرار المتقطع لإحصائيات الموت شكل العام 2004 نقلة نوعية في مكافحة الإرهاب في الجزائر، هي خلاصة تجربة كبيرة اكتسبتها الجزائر في مواجهة فلول الجماعات المسلحة المتطرفة طيلة العشر السنوات الماضية .. تنضاف إلى هذه التجربة، إجراءات قانونية وتدابير إنسانية يسعى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى تحقيقها واقعا، بما يساهم في القضاء على الإرهاب والعنف المسلح وثقافة الحقد بغير سياسة الحل «الكل أمني» التي أثبتت فشلها الذريع . ويسعى بوتفليقة إلى جمع شمل الجزائريين ورأب الصدع بينهم وتطبيب جراحهم، عبر مشروعه للمصالحة الوطنية الذي ينادي به منذ وصل إلى الحكم العام 1999 وشكل صلب برنامجه وحملته الانتخابية لرئاسيات الثامن أبريل الماضية، ومن بعدها مشروعه للعفو الشامل الذي لم تتبلور تفاصيله بعد، ورغبته في طرح هذا المشروع على استفتاء شعبي في مارس - آذار المقبل بما يطوي نهائيا ملف العشرية السوداء وما علق بها من آثار تبقى شوكات موجعة في خصر السلطة . ويتوجه مسعى العفو الشامل بالأساس إلى جميع الجهات التي تورطت في الأزمة الأمنية، ولحملة السلاح الذين غرر بهم، وللعناصر التي أعلنت توبتها وتنتظر البت في مصيرها، إما بالعفو عنها أو بمحاكمتها مثلما تطالب جهات حقوقية جزائرية . مرحلة جديدة في مواجهة الإرهاب وتبرز الطفرة النوعية في مكافحة الإرهاب التي تميز بها العام 2004، في اعتماد الجزائر، إلى جانب مواصلتها سياسة استئصال جيوب الإرهاب، عبر التمشيطات العسكرية المكثفة، قوانين وتشريعات تقف في وجه شبكات تمويل الإرهاب من داخل وخارج الجزائر، وتعزز المرحلة الجديدة التي تقبل عليها الجزائر في مكافحة الإرهاب الذي تحولت بقاياه إلى الجريمة المنظمة وحرب العصابات وشبكات لتبييض الأموال .. وهي قوانين تأتي استكمالا لجملة من التدابير الوقائية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية في السابق لمراقبة حركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج وتأتي على رأس هذه القوانين القانون الجديد المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتها ومن قبله إنشاء خلية معالجة الاستعلام المالي التي تم تنصيبها في 14 مارس 2004 على مستوى وزارة المالية وهي جهاز مستقل للتحريات المالية يفرض على المؤسسات المالية العاملة في الجزائر أن تطلعها على أية عملية مشكوك فيها، وأن تخضع للتحقيقات التي تقوم بها هذه الخلية ترخّص بتجميد الأرصدة لأكثر من 72 ساعة في حالة وجود نشاط مشكوك فيه . تنسيق الجهود الدولية لقطع رؤوس الإرهاب وكان العام 2004 في مجال مكافحة الإرهاب بالنسبة للجزائر، سنة التنسيق والتعاون المشترك مع المجوعة الدولية، تعكسها سلسة اتفاقات التعاون الأمني والقضائي التي أبرمتها الجزائر مع عدد من دول مجموعة ال 55، وكذا علاقة التقارب الجديدة بين الجزائر وحلف شمال الأطلسي (ناتو) تجسدت في اتفاق التعاون العسكري والدفاع الذي توجت به زيارة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي جاي دي هوب شيفر إلى الجزائر مطلع شهر ديسمبر، ومشاركة الجزائر في الحوار والتعاون مع الناتو، في اجتماعات وزرائه للخارجية ثم الدفاع، وفي المناورات العسكرية ذات الصلة بأمن منطقة شمال إفريقيا والساحل عرض مياه المتوسط . كما تميزت جهود مكافحة الإرهاب خلال العام 2004 بالتقارب الحاصل بين الجزائر ومنظمة الشرطة الدولية (أنتربول) بعدما عرض رئيسها جاكي سيليبي في ختام زيارته للجزائر شهر أكتوبر الماضي مساعدة مصالحه للقبض على أكثر من 140 جزائري موضوع أمر دولي بالقبض،عليه من بينهم 100 اسم متابع في قضايا ذات صلة بالإرهاب بناء على أوامر صادرة عن العدالة سواء في الجزائر أو في بلدان أجنبية خاصة فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وتونس . ضربة قوية للقواعد الخلفية لتنظيم القاعدة واعتبرت تحاليل الخبراء في الشأن الأمني بالجزائر، أن تمكن الجيش الجزائري من القضاء على زعيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال «نبيل صحراوي» رفقة ثلاثة من مساعديه القياديين بمنطقة القصر بولاية بجاية (230 كلم شرق العاصمة) بعد توليه زعامة التنظيم في أكتوبر 2003 بعد تداول أخبار عن تصفية أو عزل أو اغتيال الرقم الأول في التنظيم حسان حطاب كان ضربة قاضية لقيادة التنظيم الدموي الذي تطابقت استراتيجيته في السنوات الأخيرة مع استراتيجية «الجيا» أكثر التنظيمات الإرهابية الجزائرية دموية بعدما تحول من استهدافه العسكر وأفراد الأمن والمثقفين والإعلاميين إلى استهداف المدنيين والعزل . كما اعتبرت تسلم الجزائر في 27 أكتوبر 2004 لأحد أكبر وأهم المطلوبين لديها، وهو عمار صايفي المعروف باسم (عبد الرزاق البارا )، الرقم الثاني في التنظيم والمتهم الرئيسي في اختطاف السياح الأجانب في عمق الصحراء الجزائرية، من قبل السلطات الأمنية الليبية في إطار تنسيق أمني جزائري - ليبي - أمريكي، نجاحا كبيرا للجزائر في اتجاه التخلص نهائيا من رؤوس الإرهاب، وبحكم أن دولا أخرى كانت تطالب بتسلمه بالأخص ألمانيا، التي أصدرت أمرا دوليا للقبض عليه . وكان البارا المظلي السابق في صفوف القوات الجزائرية الخاصة، في مقابلة أجرتها معه «قناة فرانس 2» الفرنسية في سبتمبر 2004 اعترف بأن ألمانيا دفعت له فدية مالية قيمتها 5 ملايين أورو مقابل الإفراج عن السياح الألمان . ورأت تعاليق الخبراء في القضاء على «نبيل صحراوي» وتسلم «البارا» ضربة نوعية لتنظيم القاعدة لأسامة بن لادن، بعدما ثبتت علاقة التنظيمين بعد مصرع ممثل القاعدة في الشمال الإفريقي ودول الساحل الصحراوي اليمني «عماد علوان» على يد قوات الأمن الجزائرية بمنطقة باتنة (350 كلم شرق العاصمة الجزائر) حيث كان في مهمة لتفقد حالة التنظيم واحتياجاته من المال والعتاد، ومن بعده إدراج إدارة واشنطن تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال في قائمة أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم إلى جانب «الجيا» الجماعة الإسلامية المسلحة . وكان عبد الرزاق البارا قبل سقوطه في أسر جماعة تشادية مسلحة احتجزته لمدة أكثر من 9 أشهر اعترف في مقابلة أجرتها معه صحيفة «باري ماتش» الفرنسية شهر أغسطس 2004 بما أسماه «العلاقة المتينة» التي تربطه بالرقم الثاني في شبكة القاعدة «أيمن الظواهري».. ومثله كانت علاقة «نبيل صحراوي» بتنظيم القاعدة متينة بعد تمكن هذا الأخير في ظرف قصير من جلب إرهابيين من دول مجاورة للجزائر كانوا يتدربون في معقل تنظيم القاعدة بقندهار بأفغانستان ..