استراتيجية الأمن القومي الأمريكيةالجديدة ذات أبعاد دولية لرئيس يتمتع بشعبية عالمية وبلد متورط في أكثر من مكان. لقد تخلت إدارة أوباما في عقيدتها الجديدة عن مصطلحات الحرب الاستباقية التي صاغ مفهومها اليمين الجديد في إدارة الرئيس بوش، وتخلت عن الحرب العالمية على الإرهاب، وإن كانت قد أبقت الحرب على القاعدة والتنظيمات المنضوية تحت لوائها وذلك حتى تبقى للرئيس سلطات كبيرة باعتباره رئيسا لأمريكا في وقت الحرب، وتخلت عن موضوع ربط الإرهاب بالإسلام وبالجهاد والتركيز على عدو واحد هو تنظيم القاعدة؛ وهي مصطلحات كانت تثير حفيظة المسلمين ويستخدمها الإرهابيون لتجنيد المزيد من الأتباع وإذكاء حدة الكراهية لأمريكا في العالمين العربي والإسلامي. وما لم تتخلّ عنه الولاياتالمتحدة في استراتيجيتها الجديدة للأمن الوطني هو مواصلتها التفرد في هذا الكوكب كقطب وحيد يحدد مصير القرار الكوني، وذلك يتطلب المحافظة على اقتصاد قوي وقدرات عسكرية لا تهزم. وفي الوقت ذاته فإن هذا التغيير الإيجابي يوحي برغبة أمريكا في التعاون مع الأصدقاء وتوزيع عدد من الأدوار تحت عنوان التعاون مما يخفف العبء العسكري والخسائر في أرواح الجنود الأمريكيين. وقد مهدت أمريكا لنجاح هذا النوع من التعاون باستهدافها تنظيم القاعدة وبالتالي فإن الجهود سوف تتضافر لدعمها في حربها ضد عدو مشترك. أمريكا تدرك أن أمنها يبدأ في أراض أخرى خارج التراب الأمريكي مما يعني أنها سوف تتدخل في شؤون عدد كبير من دول العالم تحت مسميات مختلفة، وسوف تستخدم قدرات تلك الدول (الصديقة) في محاربة تنظيم القاعدة والعمل على إجهاض الفكر الذي يغذي التنظيم وتجفيف منابع التمويل. لكن المشكلة تكمن في تفسير مصطلحات جديدة سوف تنشأ وفقا لهذا الواقع الجديد الذي تتجه أمريكا للالتزام به وإلزام أصدقائها أيضا. الأمريكيون يرون أن نمط حياتهم هو الخيار الأفضل للعالم ولذلك فلابد من فرضه، واستخدام القوة إذا حيل بين الناس والولوج إلى عالم الحياة الأمريكي بكل ما فيه من مكونات ثقافية وأخلاقية وسياسية واقتصادية. كما أنهم يعتقدون أن هزيمة الاتحاد السوفياتي بفكره الشيوعي لم تكن بسبب تآكل ذلك النظام والفكر الذي قام عليه وإنما بسبب إغراء نمط الحياة الغربية وخلبها عقول وأفئدة الروس ومن اعتنق فكرهم الشيوعي، وبذلك فلابد أن يتذوق بقية العالم تلك النعمة بأية طريقة كانت، وقد عطلتها الحرب على الإرهاب عن ممارسة التبشير بالقيم الغربية. كما أن أمريكا لم تنجح يوما في استعمار دول أخرى لأنها تفتقر إلى الفكر الإمبريالي الذي يوجه قرارتها، ومع ذلك فلابد لها أن تكون موجودة وجاهزة خارج حدودها. تلك المطالب الملحة والفشل المتكرر أمليا على أمريكا استراتيجيتها الجديدة لممارسة استعمار نوعي يختطف القرار في بلدان الأصدقاء الذين سيناط بهم حماية الأمن القومي الأمريكي تحت سمع أمريكا وبصرها؛ أمريكا ستقرر - وقد يتعارض التعاون والتنسيق مع الأمريكيين مع المصالح العليا للدول الصديقة - وعلى الأصدقاء تحمل تبعات قرارها أياً كان تأثيره على أمنهم الوطني. ويتوقع أن العواقب المترتبة على الإذعان لمطالب الولاياتالمتحدةالأمريكية الكثيرة ستؤدي إلى تعميق الفجوة بين الأنظمة الصديقة لأمريكا وشعوبها ما يخلق أوضاعا غير مستقرة تستثمرها أمريكا لمصلحتها في إحداث تغييرات ذات علاقة بالديمقراطية والحريات وفقا لرؤيتها ومصالحها الخاصة. إن أمريكا بإعلانها هذه الاستراتيجية تتجه بجدية ليس لمحاربة القاعدة فقط وإنما للعودة إلى عادتها القديمة في تمرير أجندتها الخاصة بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وما إلى ذلك من شعارات تعتبرها واجبا إنسانيا ملقى على عاتقها يخولها التدخل في شؤون بلدان ذات سيادة.