من الأفلام التي أثارت ضجة كبيرة هذا العام فيلم "الرجل الذي حدق بالمعزاة" من بطولة جورج كولوني وإخراج جرانت هيسلوف... وهو فيلم يعتمد على تجربة حقيقية موّلها الجيش الأمريكي لقتل الآخرين أو التأثير عليهم عن بعد.. ولأن الماعز (كما يعرف أي مزارع أسترالي) تتحاشى نظرات الإنسان وتتأثر بها دون كلام.. ولأنها تخشى النظر في أعين كلاب الحراسة وتهرب إلى حيث لا تحدق بها مباشرة (كما رأيت في مزارع أستراليا ونيوزلندا)؛ قرر الجيش الأمريكي الاستعانة بها لاكتشاف القدرات النفسية الخارقة والمحتملة لجنوده المتطوعين.. وقد نظم بالفعل مركزاً خاصاً لدراسة هذه الظاهرة في ولاية كارولاينا الشمالية تضمن 12 معزاة وعدداً من المتخصصين في مشروع دعي سرا "محاربو الجداي".. وتعتمد الفكرة على وضع "المعزاة" في غرفة مراقبة بحيث يحدق بها أحد الجنود (دون أن ترمش له عين) ويركز تفكيره (دون أي شيء آخر) على قتلها عن بعد.. وحين تسقط ميتة يكون الجندي قد نجح في الامتحان وينال درجة التفوق في (التأثير النفسي) وتتم التوصية بتوظيفه في البرامج النفسية المتقدمة كالاستبصار والتخاطر والرؤية عن بعد لصالح الجيش أو المخابرات الأمريكية!! ورغم أن الفيلم كوميدي ساخر كما حاول المخرج إفهامنا ورغم صعوبة تصديق اهتمام الجيش الأمريكي بالماعز، إلا أنني أنظر للأمر كامتداد لفضول قديم وتساؤل حائر نلاحظه في معظم الثقافات العالمية.. فشعورنا بمن يحدق بنا موهبة قديمة حيرت العلماء واتخذت دليلا على ظاهرة التخاطر والإحساس اللاواعي.. وحين تترافق مع مشاعر سلبية (كالحقد والحسد) قد تؤثر بالفعل على الطرف الآخر، سواء كان معزاة أو إنساناً.. وهذه الظاهرة بالذات كانت معروفة للعرب الذين كانوا يستأجرون أشخاصا عرفوا بقوة العين (قال عنهم الكلبي): وكان الرجل منهم لا يأكل شيئاً يومين أوثلاثة ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أوالغنم، فيقول: لم أر إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه فما تذهب قليلاً حتى تسقط هالكة.. أما القرطبي فيقول في تفسيره المشهور إن كفار قريش حاولوا أن يصيبوا النبي بالعين فنظر إليه بعض الحساد وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حجته فنزلت قوله تعالى {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر... ... وما يبدو لي شخصياً أن هناك فرقاً بين التحديق بنية الأذية والحسد، والتحديق لمجرد الفضول والاهتمام.. وهناك عالم نفس يدعى روبرت شيلدراك حاول فهم هذه الظاهرة بعد تجربة شخصية مر بها (حيث كان شاهداً في إحدى المحاكم وشعر مراراً بنظرات الحضور تحدق به من الخلف).. وقد حاول التأكد من مصداقية الظاهرة بعزل المتطوعين (المُحدق بهم) عن أي مؤثرات خارجية وربط أعينهم بحيث لايرون الطرف الآخر ولا من أي اتجاه يحدق بهم.. وقد حقق معظم المشاركين نسبة التفات تجاوزت حدود الصدفة (المقدرة ب50%) ووصل بعضهم إلى نسبة التفات فاقت 90% من المحاولات .. وحين نشر شيلدراك نتائج دراسته في مجلة نيوساينتست (عدد يوليو1997) طلب من القراء تجربتها في منازلهم ومقار أعمالهم وتزويده بالنتيجة. وبعد عامين وصلته أكثر من 5000 مشاركة تجاوز معظمها حدود الصدفة، الأمر الذي شجع المجلة على استعراضها مجدداً في عدد ابريل 1999 ... وبيني وبينك، لو علمت حينها بدعوة شيلدراك لأخبرته أنني كنت أختبر تأثير التحديق أثناء الرحلات الجوية المملة، وأحسب كم ثانية تلزمني حتى تتململ الضحية وتدير رأسها نحوي!! جرب بدورك ، وأخبرني ...