تسعى الهيئة العامة للسياحة والآثار من خلال مؤتمر التراث العمراني الى إحداث نقلة كبيرة في مفهوم المواطن بشأن التراث العمراني والعناية به، باعتباره رافداً مهماً من روافد التنمية والتحديث، ولذلك حرصت على توسيع المشاركة في المؤتمر، حيث يشهد مساهمة واسعة النطاق من مختلف أجهزة الدولة والقطاع الخاص، إضافة إلى مشاركة مكثفة من الجامعات والمدارس والغرف التجارية والبلديات المحلية في المناطق. وفي حين تسعى الهيئة إلى التعريف بالتراث العمراني وأهميته، يشكو مختصون ومهتمون بهذا القطاع من تقصير جهات عدة في نشر ثقافة السياحة التاريخية ممثلة بالمتاحف والآثار والتراث العمراني، وعدم وجود مناهج دراسية لتعريف الطلاب بالمراحل التعليمية المختلفة بقيمة الآثار، ويطالبون بمزيد من الجهود في هذا الصدد، وإدخال مناهج حول هذا القطاع تقدم بشكل مبتكر لجذب الطلاب. وفي المقابل، ينتقد الطلاب تقصير المدارس والجامعات في هذا الجانب، وعدم تنظيم رحلات للمواقع العمرانية والأثرية والمتاحف، والتركيز على الرحلات الترفيهية الاستهلاكية. ويرصد هذا الاستطلاع أسباب عدم اهتمام الطلاب بالتعرف على الآثار والتراث العمراني والمتاحف وأهمية زيارتها، والحلول المقترحة لترسيخ ثقافة الآثار والمتاحف لديهم، ودور الوزارات والجهات المعنية في هذا الصدد. نشر الوعي العمراني ويرى الدكتور سمير زهر الليالي أستاذ مساعد قسم العمارة في جامعة الملك فيصل أن المجتمع يفتقد عموماً ثقافة الآثار والمتاحف، خصوصاً طلاب المدارس والجامعات، مضيفاً "تجد معظم المدارس تهتم بتنظيم رحلات ترفيهية للملاهي والمحلات التجارية، ويهملون الرحلات الهادفة مثل زيارة المتاحف والأماكن الأثرية التي تعود بالفائدة على الطلاب". وشدد على ضرورة الاهتمام بهذا الجانب لأن مثل هذه الزيارات تربط هذا الجيل بالماضي". وطالب الليالي الجهات المعنية مثل الهيئة العامة للسياحة والآثار بعمل نشرات توعوية تبرز الأماكن الأثرية، وتنظيم مسابقات خاصة لطلاب المدارس والجامعات حول تصوير المواقع الأثرية، بهدف تشجيعهم على زيارة تلك الأماكن والتعرف عليها. وأكد أن إدخال مناهج خاصة بالمتاحف والآثار أصبح مطلوباً بشدة في الوقت الحالي، الذي يشهد اهتماماً كبيراً بهذا القطاع. من جهته، قال عبدالحميد الحشاش مدير متحف الدمام الإقليمي، إن الهيئة العامة للسياحة والآثار تبنت برامج ثقافية وتربوية وتعليمية مثل برامج "ابتسم"، "السياحة تثري"، "لا تترك أثر"، وهي كلها برامج تغرس مفاهيم الوعي الثقافي السياحي والمحافظة على الآثار والتراث والبيئة، غير أننا بحاجة إلى تفاعل الجهات المعنية مثل وزارة التربية والتعليم والجامعات. وشدد على أهمية تنشيط وتكثيف زيارات الطلاب للمعالم والمواقع الأثرية والتاريخية والتراثية وللمتاحف العامة والخاصة المنتشرة في ربوع المملكة، وكذلك للمهرجانات الثقافية السنوية التي تقيمها الدولة مثل مهرجان "الجنادرية"، والمهرجانات التي تقام في المناطق. مشروعات عمرانية واتفقت الدكتورة غادة فهمي الأستاذ في جامعة الملك فيصل مع الحشاش والليالي في وجود إهمال بالتوعية بالآثار، وقالت إنه لا يوجد أي اهتمام بهذا الجانب، وخاصة من الطلاب في المرحلة الجامعية، علماً بأن بعض الطلاب يقوم بعمل مشروع تخرج عن موقع آثري، ولكن بمجرد أن يتخرج من الجامعة يضعه في الدرج، ولا يكلف نفسه تسويق هذا المشروع. وتطرقت فهمي إلى ما يذهب إليه البعض بعدم جواز زيارة المواقع الأثرية، وتركيزها على الحرمين الشريفين فقط، وأنه يجب إدخال مناهج خاصة بالآثار، وتعريف النشء بأهمية المواقع الأثرية والمتاحف، بشرط أن تكون هذه المناهج بدون اختبارات، وتقدم هذه المناهج بطرق مبتكرة تكون محببة لدى الطلاب. كما اقترحت عمل برامج توعوية وإنشاء مواقع على الانترنت تكون مخصصة للآثار والمتاحف، إضافة إلى فتح أقسام أو كليات في الجامعات خاصة بالآثار، وعمل مسابقات للرسم وتصوير المواقع الأثرية للطلاب في جميع المراحل لربطهم بهذه المواقع. إهمال أسري وركزت هدى بنت غانم القحطاني المسؤول الإداري بإحدى مدارس البنات في الخبر في حديثها على عدم اهتمام الأسر بالمتاحف والآثار، وقالت "قد تجد القليل من الأسر تقوم بزيارة المتاحف مع أبنائهم، مع العلم بأن هناك مواضيع في كتب المطالعة للطالبات تعرفهن ببعض المواقع، مثل مدائن صالح، وتتفاعلن الطالبات معها، وتقدمن موضوعات متميزة، ولكن في الوقت نفسه نفتقر لزيارة المعارض". وتابعت قائلة "ليس هناك مجهود جماعي لنشر الوعي بين الطلاب في كل المراحل الدراسية، قد يكون هناك جهد فردي، ولكن هذا لا يكفي". مسؤولية الجهات المعنية وأكد عبدالله الغامدي مدير إحدى المدارس في الدمام بوجود قصور كبير من طلاب المدارس بثقافة المتاحف والآثار، ويتمنى من الجهة المعنية في الهيئة العامة للسياحة والآثار بأخذ زمام المبادرة والتنسيق مع المدارس لتنظيم رحلات مجدولة من المدارس إلى المتاحف والمواقع الأثرية، كما تفعل شركة أرامكو السعودية التي تبادر بالاتصال بالمدارس وتحديد موعد محدد لزيارة معرضها. ويقول صالح الغانم أحد أولياء الأمور إن هناك فجوة في ترسيخ الهوية الوطنية لدى الطلاب، سببها عدم وجود برامج تُساعد على ذلك، ويظهر ذلك في كثير من ممارساتهم السيئة، مثل عدم المحافظة على المرافق العامة والمواقع الأثرية. وشدد على أن دور وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي مفقود في هذا المجال، وعليها تنظيم رحلات للمواقع الأثرية، ووضع برامج ضمن المناهج لغرس هذه المفاهيم والقيم في نفوس الطلاب من الصغر". وأكد الطالب محمد العلي الذي يدرس في المرحلة الثانوية عدم التحاقه بأي رحلة للاثار، وقال "لم أذكر منذ التحقت بالمدرسة حتى الآن أنني ذهبت في رحلة تنظمها المدرسة لمتحف أو لموقع آثري، كانت جميع رحلاتنا في المدرسة عبارة عن رحلات ترفيهية فقط سواءً للمدن الترفيهية أو للمجمعات التجارية". وأكد اهتمام عدد لا بأس به من الطلاب بالمواقع الأثرية وزيارة المتحف للتعرف على تاريخ وحضارة بلادنا الغالية.