لم يأت تعاقد النصر مع المدرب الإيطالي والتر زينغا بطريقة تقليدية، كما هي عادة تعاقدات الأندية السعودية مع المدربين التي تتم عادة عن طريق مكاتب الوسطاء، إذ تم التعاقد بأسلوب دراماتيكي استغرق ثلاثة أشهر كاملة، حيث بدأت فصوله في روما ثم بيروت وامتدت لتصل إلى مدينة جدة قبل أن تنتهي في العاصمة الرياض حيث وقع عقده في مؤتمر صحفي حاشد. ولأن التعاقد مع زينغا كان مشوباً بالحذر، ومغلفاً بالسرية فقد اضطر ذلك إدارة النصر لإنكار المفاوضات التي تسربت للإعلام قبل إتمامها، وظلت تنكرها حتى مع مشاهدة صور المدرب الإيطالي على صفحات الموقع العالمي (فيس بوك) وهو يعتمر (الشماغ) السعودي في أسواق جدة القديمة التي زارها في أبريل الماضي ضمن سير رحلة المفاوضات معه، والتي تسربت للصحافة السعودية، غير أن ذلك لم يمنع مسيري القرار في البيت النصراوي من نفي أي علاقة لهم بالأمر، وذلك قبل ان يبرر رئيس النادي الأمير فيصل بن تركي الأمر تحت ذريعة (الكذبة البيضاء). وبدا واضحاً ان (إدارة العالمي) قد اضطرت لإخفاء المفاوضات بغية المحافظة على توازن الفريق الذي كان قد دخل مرحلة حاسمة في استحقاقاته المحلية والخارجية المتمثلة في مشاركته في بطولة الاندية الخليجية، خصوصاً وهي لازالت ترتبط بعقد سارٍ، وعلاقة جيدة مع مدرب الفريق الارغوياني خورخي داسيلفا الذي قد الفريق بنجاح لمركز متقدم في الدوري المنصرم حيث حقق المركز الثالث وهو الذي لم يصله الفريق منذ سبعة مواسم. حفاوة وتحذير وعلى الرغم من الحفاوة الكبيرة التي لقيها وصول المدرب الإيطالي الشهير ب(الرجل العنكبوت) منذ اللحظة التي فاجأ فيها الجميع وهو يأخذ له مقعداً في استاد الملك فهد الدولي في مباراة الفريق مع الهلال في ذهاب نصف نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال، إلا أن ثمة ردود فعل مفاجئة خرجت على خلفية إعلان التعاقد الرسمي معه كان أبرزها من نجم الفريق السابق وأسطورته الشهيرة ماجد عبدالله الذي أبدى في تصريحات صحفية تحفظه على التعاقد معه تحت حجة أنه حارس مرمى، مشيراً إلى ان هذا الأمر يضع أكثر من علامة استفهام؟. وعلى الرغم من أن ماجد عبدالله الذي يعمل مستشاراً لرئيس النادي لم يضع أجوبة لعلامات الاستفهام التي وضعها في طريق المدرب الإيطالي، إلا أنه لم يخف أمانيه بأن يكون النجاح حليف زينغا، مشيراً إلى أن ثمة مدربين مغمورين كانت لهم يد طولى في قيادة فرقهم لمنصات الذهب. غزل متبادل وفي وقت أظهرت الإدارة النصراوية حفاوتها بزينغا، لاسيما في المؤتمر الصحفي حيث عدد فيه رئيس النادي الأمير فيصل بن تركي مميزات المدرب الإيطالي، إن على مستوى الجوانب النفسية أو الفنية، معرجاً على سيرته الحافلة، ومشيراً في الوقت نفسه إلى أن قدراته الكبيرة وتاريخه الحافل جعلت ناديا بحجم انتر ميلان يضعه كبديل للمدرب الحالي البرتغالي مورينهو، فقد بادل زينغا الإدارة النصراوية الغزل بالغزل عندما أكد على سعادته بالتدريب في السعودية، لاسيما بالعمل مع ناد كبير كالنصر، مبدياً فخره وتشرفه بذلك. وإذ وصف زينغا تعامل رئيس النصر بالاحترافي فقد أكد على أنه جاهز للعمل في النادي بروح الأسرة الواحدة من أجل تحقيق ما يطمح له أنصار النادي. سيرة وقلق جماهيري وفيما تنبئ السيرة الذاتية لزينغا ذي ال50 عاماً عن حارس تاريخي للكرة الإيطالية إن مع المنتخب او مع نادي الانتر تحديداً حيث لعب له 13 عاماً كانت حافلة بالانجازات، بدليل اختياره أفضل حارس في العالم من قبل الاتحاد الدولي لاحصائيات وتاريخ كرة القدم (IFFHS) في أعوام 1989، 1990، 1991، واختياره من (الفيفا) كأفضل حارس في العالم في المونديال الذي استضافته بلاده في العام 1990، وكذلك ترشيحه من قبل الاتحاد الأوربي كأفضل حارس في اوربا في العام 1988، وحارس العام في موسم 1990، إلا أن سيرته التدريبيه لم تكن حافلة كما هي سيرته كلاعب؛ على الرغم من نجاحه في موسمي 2005 و2006 حيث حقق أول انجاز تدريبي له مع نادي ستوا بوخارست الذي حقق تحت قيادته بطولة الدوري الروماني، قبل أن ينتقل لصربيا حيث أشرف على نادي تسرفينا زفيزدا (النجم الأحمر) الذي حقق معه بطولة دوري صربيا ومونتينغرو، وكذلك كأس صربيا، إذ ظل الفشل يطارده في غير محطة تدريبيه، ويكفي دليلاً على ذلك أنه أقيل من منصبه في آخر ثلاث محطات تدريبية من أصل أربعة فرق دربها كان آخرها نادي باليرمو الإيطالي حيث فاجأه رئيس النادي ماوريتزيو زامباريني في نوفمبر الماضي بإيقاف الحصة التدريبية الصباحية للفريق حينما استدعاه ليخبره بقرار الإقالة. نجاح المدرسة الإيطالية يدعم موقفه وطرقه الدفاعية تثير الهواجس وكان زينغا قد بدأ مشواره التدريبي عام 1999 مع فريق نيو اينغلند ريفوليوشن الأمريكي الذي انتقل إليه قبل ذلك كلاعب، ثم عاد إلى ايطاليا ليقود بريرا (2000-2001) ومنه تحول إلى رومانيا مع ناسيونال بوخارست (2002-2004) ثم ستيوا بوخارست (2004-2005) قبل أن يشرف على التوالي على النجم الأحمر الصربي (2005-2006) وغازي عنتاب التركي (2006) والعين الإماراتي (2007) لينتقل في ذات الموسم إلى دينامو بوخارست الروماني، ليعود في العام الذي يليه من جديد مع كاتانيا (2008-2009) وأخيرا مع باليرمو (2009) الذي أقاله من منصبه. ولعل الإقالات التي تعرض لها زينغا في مشواره التدريبي، خصوصاً مع العين الإماراتي، وغازي عنتاب التركي، ودينامو بوخارست الروماني، وباليرمو الإيطالي جعلت المخاوف تدب في نفوس أنصار النصر، الذين يحلمون بعودة فريقهم لسابق عهده كأحد أهم أطراف معادلة البطولات في السعودية. مدرب دفاعي لفريق هجومي ولعل ما زاد من قلق أنصار النصر هو إدراكها للأساليب الدفاعية التي يعتمد عليها زينغا، وهي الأساليب التي تميز المدرسة الإيطالية بشكل عام، وزينغا بشكل خاص، وهي التي تسببت له بالعديد من الاشكالات في بعض محطاته التدريبية، فقد أقيل مثلاً من تدريب العين الإماراتي ودينامو بوخارست بسبب أسلوبه الدفاعي، فمع الفريق الروماني واجه عاصفة من الانتقادات حينما وجد أنصار النادي فريقهم يلعب بطريقة لا تتناسب وتاريخه، حيث لعب الفريق تحت قيادته في 11 مباراة فاز في 5 مباريات وتعادل في 4 وخسر مباراتين ليحتل المركز السابع ما دفع إدارة النادي لإعلان الطلاق معه. وتشير صحيفة إل كورييري ديلو سبورت الصادرة من العاصمة الإيطالية روما إلى أن شخصية زينغا الصارمة وتدريباته الشاقة قد تكون سبباً في توتر علاقته مع الفرق التي يدربها، وليس شرطاً أساليبه الدفاعية. وتبدو المفارقة بين زينغا والنصر واضحة، فالفريق العاصمي عرف بأساليبه الهجومية منذ أمد بعيد، وهو ما ميزه حتى وهو يعيش أسوأ مراحلة الفنية في العقد الأخير، حيث لم يمنعه ذلك من اعتماد اللعب الهجومي، في حين عرف زينغا بأساليبه الدفاعية، وفي ظل هذا التباين تبدو الأمور معقدة، فإما أن يتنازل أحد الطرفين عن أساليبه أو أن يترك المدرب الايطالي بصمته على الفريق الأصفر. ضربة معلم أم خطأ شنيع؟ وفي ظل المتناقضات التي تحفل بها مسيرة المدرب زينغا والذي يعد المدرب الإيطالي الوحيد الذي يقود نادي النصر طوال تاريخه، إذ لم يرتبط النصر ولا الكرة السعودية مع المدرسة الايطالية بعلاقة تدريبية واضحة إلا من خلال نادي الاتحاد الذي تعاقد في العام 2001 مع المدرب الايطالي دوتسينا الذي رحل عن النادي بقرار إقالة، غير أن ذلك لا يعني كثيراً، فالمدرسة الإيطالية أثبتت نجاحها بإنجابها للعديد من المدربين المميزين كأريغو ساكي الذي قاد بلاده إلى نهائي كأس العالم 1994 في الولاياتالمتحدة، والذي خسره أمام البرازيل بضربات الترجيح، ومارشيلو ليبي الذي قاد بلاده لتحقيق كأس العالم 2006 في ألمانيا، وكذلك المدرب الشهير فابيو كابيللو الذي يقود المنتخب الانجليزي حالياً، وروبيرتو مانشيني مدرب مانشيستر سيتي الانجليزي، والمدرب العجوز جوفاني تراباتوني، وغيرهم من المدربين المشاهير. ويبدو جلياً أن إدارة النصر قد أعدت العدة لتحقيق كل مقومات النجاح لزينغا، وهو ما بدا واضحاً من خلال ما وفرته له حتى الآن، فهو من جهة قد كشف أنه كان يراقب الفريق منذ ثلاثة أشهر حيث شاهد له 22 مباراة، فضلا عن تجاوبها معه في التحضير لمعسكر خارجي تقرر أن يقام هذا الصيف في إيطاليا تحضيراً للموسم المقبل، فضلا عن إعطائه كافة الصلاحيات للتعاقد مع اللاعبين الأجانب حيث قص شريط التعاقدات مع اللاعب الروماني رزافان كوشيس، فيما يبحث عن لاعبين آخرين بدلا عن اللاعبين الذين تعثرت المفاوضات معهم كالاسترالي برشيانو والبرازيلي لوبيز والروماني بتري. وفي ظل كل تلك الحقائق والمتناقضات معاً، يأتي السؤال المشروع.. هل يعتبر تعاقد إدارة النصر مع والتر زينغا ضربة معلم أم خطا إداري شنيع؟، هذا –بالطبع- ما ستجيب عليه الأيام المقبلة التي ستكون حبلى بالعديد من الأمور في علاقة المدرب الإيطالي ونادي النصر.