قبل عشرة أعوام قررت السفر إلى إيطاليا لمشاهدة آثار روما والبندقية وفلورنسا .. وكعادتي - قبل كل رحلة - قرأت كثيرا عن المدن والمواقع التي سأمر عليها هناك .. ولفت انتباهي حينها كثرة التحذيرات واشتراك الكتب والأدلة السياحية في التحذير من خطورة التجول في الشوارع المحيطة بمحطة القطار الرئيسية في روما (وتدعى تيرميني). وذات يوم كان عليّ الذهاب لتلك المحطة بالذات لتصديق تذكرة القطار الأوروبي .. وفور نزولي من التاكسي فوجئت بشاب غريب الهيئة يناديني بلغة مزعجة لم أفهمها .. غير أنني تجاهلته وأسرعت الخطى نحو المحطة ولكنه استمر في السير خلفي والصراخ عليّ بصوت مرتفع أمام الناس .. فما كان مني إلا أن هرولت - ثم جريت - فجرى خلفي مناديا بحدة حتى اضطررت للتوقف ومعرفة ماذا يريد.. وحين وقف أمامي مباشرة أخذ يتحدث بعصبية وصوت غاضب - وكأنه يلومني على تجاهله - في حين كان يريد إعطائي محفظتي التي سقطت مني فور نزولي من التاكسي !!! هذا الموقف الذي أخجلني بالفعل – علمني أن بعض الظن إثم وأن تبني الآراء المسبقة يحد من تفكيرنا ويحصره في اتجاه ضيق ووحيد .. ولكنه في المقابل ؛ يثبت إمكانية استعمال (المحفظة) كمقياس لمستوى الأمن والأمان وترتيب مستوى الصدق والنزاهة بين مجتمعات العالم .. بمعنى .. في أي مجتمع تنشط عمليات نشل الجيوب والمحافظ!؟ .. وهل صحيح أن "آخر الشهر" هو الوقت المفضل لسرقتها!؟ .. وفي أي مدينة عالمية يمكن أن تستعيد محفظتك في حال فقدها ، أو تقتل من أجل سرقتها !؟ ... أذكر شخصيا أن مجلة ريدر دايجست قد حاولت الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال تنظيم تجربة جريئة لاختبار مستوى الأمانة بين مواطني العالم (أعترف شخصيا بأنها لم تكن علمية بالكامل) . ففي عام 2003 تعمدت إضاعة 1100 محفظة في 117 مدينة في قارات العالم الست . وكانت كل محفظة تحتوي على 50 دولارا (بالعملة المحلية) بالاضافة الى اسم وعنوان ورقم تلفون صاحبها .. وفي النهاية عادت كل المحافظ المفقودة في النرويج والدنمرك و 70% من المحافظ المفقودة في المدن الأمريكية ، في حين لم يعد سوى 21% من المدن المكسيكية!! ... وفي أغسطس 2007 كررت المجلة التجربة ولكن هذه المرة "أضاعت" 960 هاتف جوال في 32 مدينة حول العالم (بمعدل 30 هاتفاً لكل مدينة) .. ومن المفارقات الغريبة أن تفاوت مستوى الفقر والثراء بين مدن العالم لم يكن له علاقة بأمانة ونزاهة ساكنيها (حيث تفوقت بعض المدن الفقيرة مثل مومبي على بعض المدن الغنية مثل أمستردام) كما اتضح أن رجال الأعمال الذين يلبسون بذلات رسمية أقل أمانة من مراهقين يتسكعون بسراويل رياضية ... وبعد فرز النتائج أتت مدينة صغيرة لم يسمع بها أحد تدعى ليجابليجان (في سلوفانيا) في مقدمة سلم الأمانة العالمية (حيث أعاد سكانها 29 هاتفا من 30) . أما المركز الثاني فاحتلته تورنتو في كندا (حيث أعاد أهلها 28 هاتفا من 30) في حين احتلت سيئول في كوريا المركز الثالث ثم ستوكهولم في المركز الرابع .. أما المركز الخامس فاشتركت به كل من مومبي ومانيلا ونيويورك حيث عاد 24 هاتفا من 30 !! وفي المقابل احتلت أمستردام مركزا متأخرا في أوربا (حيث عاد 16 هاتفا فقط من 30) في حين احتلت هونج كونج وكوالالمبور مؤخرة الجميع (بعودة 13 هاتفا من 30) ... وفي الإجمال .. خسرت المجلة 306 هواتف من 960 وزعتها حول العالم !! ... ولأنني شخصيا لا أتحمل فقد أي هاتف أو محفظة سأكتفي بطرح هذا السؤال عليكم (لقياس مستوى الصدق والأمانة في مجتمعنا المحلي) : * لو عرض عليك أحد أقربائك في شركة الكهرباء "اللعب" بالعداد بحيث لا تسدد أي فاتورة بعد اليوم ؛ هل ترفض أم توافق؟ ..... لا داعي لذكر اسمك الحقيقي ، ولكن أرجو أن تجيبني بصراحة على موقع الجريدة الإلكتروني !!