كثير من القطاعات العامة والخاصة تدير أمورها بشكل روتيني لا تجديد فيه فما كانت تقوم به قبل سنين لا زالت تكرره رغم ما طرأ ويطرأ على نشاطها من تغيرات وتطورات على مستوى العالم.. والسبب في الغالب عدم المتابعة والاطلاع وعدم الرغبة أوالمعرفة في تبني مبادرات خلاقة يتمخض عنها تفعيل النشاط والإنتاجية وتوطين النماذج الحديثة في الإدارة والتقنية. ولا شك أن مثل تلك القطاعات هي المسؤولة عن التخلف وعدم اللحاق بالركب العالمي المنطلق بمركبة علمية وتكنولوجية فائقة السرعة.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى جرت العادة من قبل أغلب القطاعات العامة طرح مشاريع للمنافسة أمام الشركات المحلية والعالمية دون وجود مراكز أبحاث لدى تلك الجهات توضح الأفضل والأقل تكلفة والأنجح على مستوى العالم. كما أن بعض القطاعات يقوم بالاستعانة بمستشارين أو استشاريين يؤدون مهامهم بشكل فردي وهذا غير مجدٍ لأن الفرد مهما أوتي من المقدرة والعلم يظل رأيه ورؤيته محدودي الفائدة ومحدودي الأفق. أما الأسلوب الحديث الذي تتبعه المؤسسات العامة والخاصة في الدول المتقدمة فيتمثل في إنشاء مركز أبحاث أو مختبرات جودة أو مختبرات أبحاث وتطوير يمثل كلّ منها وسيلة استشعار يتابع آخر التطورات والمستجدات على مستوى العالم وإذا أخذنا المشاريع الضخمة نجد أنها في الغالب ترسى على مقاول أو شركة على أساس تسليم مفتاح بمواصفات عامة مكتوبة جيداً ومشروط فيها في الغالب تدريب المواطنين على الصيانة والتشغيل ولكن في كثير من الأحيان لا يتم الالتزام بكثير من المواصفات ، ولا يتم تدريب المواطن والسبب أن الشركة الأجنبية تقوم بجميع الفعاليات مقابل عقد محدد الفترة الزمنية والمبالغ المالية وبسبب انعدام الخبرة المتراكمة لدى القطاع الذي نفذ لصالحه المشروع نجد أن المشروع بعد استلامه يتقادم وتعتريه الشيخوخة والهرم قبل إكماله المدة الافتراضية التي صمم على أساسها. أما الأسلوب الحديث الذي تتبعه المؤسسات العامة والخاصة في الدول المتقدمة فيتمثل في إنشاء مركز أبحاث أو مختبرات جودة أو مختبرات أبحاث وتطوير يمثل كلّ منها وسيلة استشعار يتابع آخر التطورات والمستجدات على مستوى العالم وذلك من أجل الاستفادة منها بشكل مؤسسي بعيداً عن الاجتهاد الفردي الذي يقود هذه المؤسسة أو تلك. ولا شك أن مثل ذلك الأسلوب في المتابعة والاستقراء والتجربة يؤءي إلى تراكم الخبرة والمعرفة والمقدرة على مجاراة الحراك العالمي السريع التطور والتحولات. كما أنه يحمي من التخلف والركون إلى قواعد وتقنيات ونظم تقادمت. من هذه المنطلقات أدركت وزارة التعليم العالي أهمية استشعار الحراك العالمي في المجالات البحثية والأكاديمية والتقويم وضمان الجودة لمخرجات التعليم العالي وأهمية مواكبة ذلك لما يحدث من حراك وتطور في هذه المجالات على الصعيد العالمي ولذلك جاءت فكرة إنشاء مركز أبحاث متخصص يضم نخبة من المتخصصين تابع للوزارة تحقيقاً لرؤية معالي وزير التعليم العالي من أن ذلك هو السبيل الأفضل لدراسة قضايا ومشكلات التعليم العالي وتقديم الرؤى والمبادرات التي تسهم في تحليل واقع التعليم العالي وتستشرف مستقبله. نعم لقد أدركت وزارة التعليم التعالي أن تحقيق التعمق في البحث والتفكير والدراسة والمتابعة المستمرة لقضايا التعليم العالي ومفرداته لابد وأن يكون مقروناً بحس محلي ورؤية عالمية وذلك بغية تبني إيجابيات ذلك الحراك مع المحافظة على الهوية الوطنية للتعليم العالي في المملكة. ليس هذا فحسب بل إن تطوير مؤسسات التعليم العالي كان من الأهداف الرئيسية من وراء متغيرات التعليم العالي وتوجهاته المستقبلية وتقديم الاستشارات العلمية وتمثيل الوزارة في مجال اختصاصه على المستويين المحلي والإقليمي والدولي. ويقوم على إدارة المركز فريق عمل واسع الأفق والاطلاع عالميّ الخبرة وطنيّ التوجهات ، كما أنه يستعين ويستفيد من الخبرات المحلية والعالمية. وفي الحقيقة فإن الوزارة تحلق بأكثر من جناح فوكالة الوزارة للشؤون التعليمية تبذل جهوداً جبارة ، وتقدم مبادرات متعددة وتقوم بمتابعة مستمرة للحراك الجامعي على مستوى المملكة، كما أنها لم تغفل عن المستجدات والحراك العالمي الذي يشهده العالم. إن عقد المؤتمرات وورش العمل ودعوة المختصين ، وعقد الاتفاقيات والانفتاح على الجامعات العالمية المرموقة ومراكز البحث المتقدمة من أهم ما يميز حراك الوزارة هذه الأيام. ولعل آخر ما حضرت منها ورشة عمل التعريف بعملية بولونيا وأثرها في التعليم العالي التي عقدت الأسبوع المنصرم والتي نظمها مركز البحوث والدراسات في التعليم العالي. وعملية بولونيا عبارة عن اتفاقية ابرمها الاتحاد الأوروبي للارتقاء بالتعليم العالي هناك وذلك في سبيل الوصول إلى تنمية متكاملة ومتجانسة في كافة دوله، وذلك لكون التعليم العالي وسيلة فعالة للتفاعل بين شعوب دول الاتحاد مما يسهم في تأصيل الوحدة الأوروبية ويعمّق جذورها بالإضافة إلى غرس روح المواطنة الأوروبية ناهيك عن أن ذلك يعتبر مجالاً للحراك التعليمي والتمازج الثقافي والتعاون الاقتصادي والتناغم السياسي. ومما لا شك فيه أننا بحاجة إلى مثل تلك الأبعاد وتبني المناسب منها خصوصاً تلك التي تقوي عرى الوحدة الوطنية وتشد من أزرها وتعزز روح المواطنة وتدعم التمازج بين سكان مناطق المملكة. نعم إن مركز البحوث والدراسات في التعليم العالي هو جهاز يعمل بصورة دائبة لخدمة أهداف وتطلعات وزارة التعليم العالي التي تسعى بكل جد من أجل تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - لما يجب أن يكون عليه التعليم العالي في المملكة خصوصاً بعد الطفرة الكبرى في ذلك المجال والتي نتج عنها حتى الآن وصول عدد الجامعات الحكومية إلى أكثر من (24) جامعة بالإضافة إلى فروعها وزيادة عدد الجامعات والكليات الأهلية بصورة مطردة. من هذا المنطلق يعتبر ذلك المركز نموذجاً يجب أن يحتذى من قبل كل قطاع من قطاعات الدولة التي لا تملك مثله وذلك على اعتبار أن ذلك الجهاز أو المركز هو وسيلة علمية عصرية تقوم باستشراف ومتابعة الحراك العالمي في مجال هذا القطاع أو ذاك ، وذلك في سبيل تحقيق الأهداف التالية: * توفير بيئة بحثية علمية متميزة تقوم بدراسة المستجدات ومتابعة المتغيرات في مجال اختصاص ذلك القطاع. * اقتراح المبادرات وإبداء المرئيات والمشورة في المجال الذي انشئ المركز من أجله. * أن يكون المركز بيت خبرة متخصصاً في دراسة قضايا القطاع الذي يتبع المركز له. * بناء شراكات فاعلة مع مراكز ومعاهد البحوث والدراسات العالمية المشابهة له في التخصص والتوجه. * عقد الندوات وورش العمل والمؤتمرات التي تخدم اختصاص القطاع الذي يتبغ المركز له. * الاستفادة من تجارب الآخرين ومعرفة تفاصيل تلك التجارب والأبحاث والدراسات قبل الإقدام على الاستفادة منها. * ترجمة الكتب والأبحاث والدراسات والنظم ومعرفة أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعميم ذلك على منسوبي ذلك القطاع لرفع ثقافتهم وكفاءتهم في مجال اختصاصهم. * تمثيل ذلك القطاع في الأمور الفنية والتقنية في الداخل والخارج. * وغير ذلك من الفعاليات والنشاطات ذات العلاقة. من هذا المنطلق نستطيع أن نقول إن وجود مركز أبحاث أو دراسات أو مختبرات جودة أو مختبرات بحث وتطوير تابع لكل قطاع يحتاج إلى واحد أو أكثر من تلك المراكز، أصبح أمراً مهماً خصوصاً إذا قام عليه نخبة من العلماء المتميزين الذين يتمتعون بالخبرة العلمية والتطبيقية ناهيك عن امتلاكهم أفقاً عالميّ النظرة وطنيّ التوجه.. والله المستعان.