كنتُ أعتقد أن رواية التاريخ الحديث لفترة سابقة من حياتي ولأبنائي أمر سهل , خاصة إذا كانت الرواية تبنى على الحقائق فقط. ولكن وجدت أنه لا يمكن الانسلاخ من المشاعر التي صاحبت ذلك التاريخ عند روايته . ولذا كانت مبادرة دارة الملك عبدالعزيز بقيادة عاشق التاريخ سلمان بن عبدالعزيز في سلسلة الندوات الملكية درسا في رواية التاريخ بمشاعر الإنسان وليس بحقائق الزمان والمكان فقط . هي رواية أبعد من التاريخ الشفهي وأعمق من التوثيق العلمي , هي مزيج إنساني يعيد عقارب الساعة الى الوراء لمعايشة التاريخ والاستمتاع به . هكذا كانت أمسية افتتاح ندوة الملك خالد والمعرض المصاحب لها ؛ فتاريخ خالد بن عبدالعزيز يرحمه الله لابد ان يروى بمشاعر الناس الذين عايشوا فترة حكمه . اعود من جديد لمقدمة المقال عن تجربتي التي كنت اعتقد انني اعرف تلك الحقبة التي عايشتها ومع ذلك عرفت صعوبة روايتها لغيري , وعرفت الصعوبة اكثر عندما وجدتها لدى اكثر الناس قربا منهم . فعندما شرفت بالقرب والعمل مع أبنائه وأحفاده وهم يستشعرون صعوبة الانتقاء والاختزال في تلك الرواية من جيل الى جيل . تاريخ قريب ولكنه لا يزال ينبض بالمشاعر التي نقشت في قلوب الحضور خاصة بعد أن اختتمت الأميرة البندري بنت خالد الفيلم الوثائقي المميز الذي انتجته مؤسسة الملك خالد الخيرية بدعوتها لأن نفتش عن خالد بن عبدالعزيز في أنفسنا ومشاعرنا لأنه عاش فيها وعشنا معه نبض الحياة . والسبب بسيط عبر عنه أبناء الملك خالد بمنظومة قيم الزهد والتقوى التي عاشها هذا الملك الصالح وجسدها سلوكا فعليا لا يضاهي . إذاً لماذا تدعونا الأميرة البندري بأن نفتش عن خالد بن عبدالعزيز في أنفسنا ؟ لأنها تعرف جيدا أن منظومة قيم الصدق والحلم والعطف والعدل والكرم ونصرة المظلوم ونجدة الملهوف وإقالة العثرات والإيمان العميق بالله عز وجل تعيش في قلوبنا جميعا وأن هذا الملك الصالح سعى لتحقيق معادلة الرفاه لأبناء هذا البلد وفق منظومة القيم الإسلامية التي عاشها الأباء والأجداد وستستمر بإذن الله طالما أن كلمة التوحيد هي نبراس حياتنا . وفعلا كان الجواب لدعوتها حاضرا من مداخلة شقيقها فيصل بن خالد عندما اكد بان هذا الملك الصالح عاش وفق هدي المصطفى عليه افضل الصلاة واتم التسليم بقوله : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" . لذا , لامست مواقف ودموع هذا الملك الصالح مشاعر الحضور الذين عايشوا تاريخه فكان حاضرا بيننا في ليلة رواية التاريخ بالمشاعر . مسيرة قصيرة اختزلت التاريخ في البحث عن القيم التي كان يقف وراءها وكانت ايضا حاضرة في الأوراق العلمية للندوة التي شرفت بالانضمام الى عضويتها . وأذكر جيدا أيضا عندما شرفت بالعمل مع ابناء الملك فيصل يرحمه الله في معرض الفيصل " شاهد وشهيد " حيث كنا نبحث عن عبارة تجسد ذلك التاريخ فوصلنا الى عبارة قصيرة تحقق الهدف وهي " سيرة لابد أن تروى .. قصة أمة وقائدها " . والجميل أن هذه العبارة كانت من إبداع الأحفاد ممثلين في الأميرتين مها بنت محمد الفيصل ومشاعل بنت تركي الفيصل حيث تجسد إبداعهما في رواية تاريخ الفيصل بمتابعة دقيقة من عشاق تاريخ الفيصل من ابناء ومؤرخين وعلماء وفي مقدمة مدرسة التاريخ هذه الأميرة ساره الفيصل والامير تركي الفيصل . وها هو التاريخ ايضا يعيد نفسه في رواية الأبناء والأحفاد لتاريخ الملك خالد . عمل توثيقي منظم تناغمت فيه جهود ابناء وبنات الملك بندر وعبدالله وفيصل والجوهرة ونوف وموضي وحصة والبندري ومشاعل وعايشت العمل حفيدة الملكين فيصل وخالد الأميرة البندري بنت عبدالرحمن الفيصل المديرة العامة لمؤسسة الملك خالد . أذكر هذه التفاصيل لأنها تاريخ حديث عايشته بالمشاعر في مسعى لكي نأخذ دعوة الأميرة البندري بنت خالد لكي نفتش عن خالد القيم الأصيلة في انفسنا ولكي نروي التاريخ لأبنائنا بمشاعر عشناها . فهو تاريخنا عشناه عن قرب مع ملوك هذه البلاد في علاقة وفاء ومحبة " زرعوا لنا الخير فحصدنا الأمن والرفاه " . لذا فإن قيم الوفاء لا تكتب فقط في وثائق التاريخ , وفي ظني المتواضع أن افضل وثائق التاريخ هي قلوب الناس التي جسدها التاريخ الشفهي لقادة هذه البلاد , تاريخ اتمنى أن تأتي عدسة فنان سعودي توثيقي ليخرج لنا منها درر الوفاء لتكون درسا في التاريخ المفعم بالمشاعر بعيدا عن الكتب الصماء التي تبخل علينا بفيض المشاعر ؛ فالفيلم التوثيقي لغة جديدة توظف وسائل الاتصال البصرية لنعيش متعة رحلة التاريخ بدلا من قراءتها . هي دعوة لمبدعينا من الشباب السعودي الذي بدأ يخوض غمار تجارب التوثيق التليفزيوني والسينمائي في التعرف على هذا الجانب الثري من تاريخنا و الذ ي قامت دارة الملك عبد العزيز مشكورة في توثيقة و كذلك المؤسسات الملكية في توكيدة و توثيقه ايضا . هي دعوة لنتجاوز شراء وثائق تاريخ الغير لأنها منتجة سينمائيا وتليفزيونيا ولدينا كنوز تاريخنا لا تقل عنها عظمة ورفعة . ربما تجد هذه الوثائق لتاريخنا الشفهي والمكتوب النور على يد وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة في تبني قناة وثائقية سعودية لرواية تاريخ بلادنا وقادتنا . وقد اثبت لنا إمكانية تعدد القنوات في زمن قصير . فلدينا معين لا ينضب من العطاء التاريخي وعقول شابة مبدعة تتعطش الى كتابة التاريخ بعدسة الكاميرا . ولا اعتقد أن مؤسساتنا الوطنية عاجزة عن تمويل مهرجان للفيلم الوثائقي السعودي او تمويل إنتاجه . تاريخنا عشناه فلنصنعه بعدسات أبنائنا لأحفادنا . دمت يا وطني في عز وأمن ورفاه , ودوما كما قال والد حفيدات الملك خالد الامير المبدع بدر بن عبدالمحسن لهذا الوطن " فوق هام السحب وإن كنت ثرى .ومجدك لقدام وأمجادك ورا"