أكد د. محمد بن علي البيشي، عضو هيئة التحقيق والادعاء العام، وعضو الجمعية الفقهية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود، والباحث في الجرائم الالكترونية أن "الإرهاب الأخضر" يعد أخطر إرهاب تواجهه المملكة، حيث عُرف بالأخضر لأنه مبني على الإرهاب الالكتروني، الذي لا يحتاج إلى أدوات تقليدية، أو جهد يذكر، مشيداً بدور وزارة الداخلية والجهات ذات الاختصاص التي سعت ب "المناصحة الفكرية" عبر شبكات الانترنت، بل وأنشأت حملة ناجحة باسم "حملة السكينة"، التي يقوم عليها (35) شخصاً لمعالجة الشبهات، ودراسة الحالات النفسية للمتورطين، لأن أكثر من (80%) منهم يجندون عبر مواقع إلكترونية وشبكات المعلوماتية. وطالب د. البيشي بضرورة تفعيل إدراج قضايا ابتزاز الفتيات ضمن الجرائم الكبيرة الموجبة للإيقاف، وتأهيل القضاة لمواكبة هذا الانجراف الإجرامي المعلوماتي، بسلاح القاضي الفني، وهذا نص الحوار: الجريمة المعلوماتية * في البداية نود أن تعرّف القراء بالجريمة المعلوماتية؟ - هي أي فعل يرتكب متضمناً استخدام الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية بالمخالفة لأحكام النظام، ومن أنواعها السب، والتشهير، والابتزاز، والإباحية، وكذلك الشائعات، مضيفاً أن منها ما يتعلق بالأمور المالية كالاعتداء على البطاقات البنكية بأشكالها، والاختلاسات، إلى جانب الجرائم الفنية كالإغراق، وسرقة البريد، والتدمير، والاختراق، وأخيراً وهو أخطرها الجرائم الأمنية، تعليم صناعة مواد متفجرة، أو الاتصال بالقيادات الإرهابية للتحريض ضد سياسة أو فكر. أعداد ضخمة من البلاغات * ما تأثير الجرائم المعلوماتية على الجانب الاجتماعي؟ - العالم الآن يعيش مواجهة مكشوفة مع صدمة المعلوماتية، التي أصبحت إعصاراً عالمياً، تتكون نواته من مجموعة برمجيات وإلكترونيات واتصالات وغيرها، ليتحرك في كل اتجاه، مقتلعاً أنماط الحياة التقليدية، وهذا يشكل تهديداً على المجتمعات، خاصة المسلم المحافظ ومنها السعودية، فجهات الشرطة وهيئات التحقيق والمحاكم، تتلقى يومياً أعداداً ضخمة من البلاغات التي يتعرض أصحابها إلى تشويه سمعة، أو ابتزاز حر، أو تبجح في نشر الجرائم التي تتعلق بالمحارم وغيرها، وهذه المشكلة تتبلور بطابع خاص في المملكة؛ لأن العادات تفرض رفضاً تاماً قبول فتاة تم نشر صورها، أو خبر عن شخصية مهمة لفقت عليه أباطيل، فتزيد درجات الإنحراف السلوكية، على الحد المعتاد في الدول الغربية؛ لأنهم يحتوون الشاب أو الفتاة، وتتم الإجراءات بسرية تامة، عبر طرائق تبليغ تضمن السرية، وهو ما أطالب به. الإرهاب الأخضر * استخدمت "الشبكة العنكبوتية" في قضايا الإرهاب والعديد من الجرائم الأمنية، كيف يتم ذلك؟ - "الإرهاب المعلوماتي" أو "الإرهاب الأخضر"، هو أخطر ما يواجه أي دولة في العالم، لأن الفئات المدبرة والمنظمات الداعمة تستطيع أن تستعرض خطط التنفيذ ووسائله وزمانه ومكانه من دون أي تكلفة تذكر، ولا مواجهة حقيقة بينهم وبين المنفذين، وعلى سبيل المثال ما يحدث بين "القاعدة" وبعض شبابنا هداهم الله الذين تورطوا في أعمال مشينة، والمملكة ولله الحمد ممثلة بوزارة الداخلية، وجهات ذات اختصاص سعت بالمناصحة الفكرية، عبر شبكات الانترنت، بل وأنشأت حملة ناجحة باسم "حملة السكينة" يقوم عليها (35) شخصاً لمعالجة الشبهات، ودراسة الحالات النفسية للمتورطين، أو من في حكمهم، وامتد ليشمل عائلاتهم، مضيفاً تمت مناصحة ما يقرب من (1800) شاب وتراجعت مجموعة كبيرة، لأن أكثر من (80%) منهم يجندون عبر مواقع إلكترونية وشبكات المعلوماتية. عدد الجرائم المبلغ عنها * كم تبلغ عدد الجرائم التي يتم التبليغ عنها في المملكة؟ - في مجال المؤسسات المالية (2%) فقط، حفاظاً على السمعة وعدم الكشف عن نقاط الضعف، وبما يقدر ب (10%) من الجرائم المتنوعة لدوافع كثيرة. آلية معالجة القضايا * هل هناك آلية لمعالجة القضايا التي يستخدمها ضعاف النفوس، في ابتزاز الفتيات والنساء عن طريق صور الجوال، أو الانترنت؟ - غالبها تقليدية بأن يتم الاتفاق مع هيئة الأمر بالمعروف، بما يطيح بالمجرم المعلوماتي متلبساً، إضافة إلى العقوبات التبعية مثل المصادرة لوسائل الجريمة، وإغلاق موقعها المعلوماتي، وذلك طبعاً بعد إحالة الموضوع لهيئة التحقيق، وعند نفي التهمة، تخاطب هيئة الاتصالات لترسل لهيئة التحقيق بياناً، يفيد بكل استخدامات الجهاز، وأين ومتى وكيف تم ذلك، فلا مجال للكذب، ومن هنا فإنني أضم صوتي إلى صوت د. إبراهيم الهويمل وكيل هيئة الأمر بالمعروف، إلى ضرورة تفعيل إدراج قضايا ابتزاز الفتيات، ضمن الجرائم الكبيرة الموجبة للإيقاف. ليس عيباً * عدم وجود نظام إغلاق المواقع يعد عيباً تنظيمياً، رغم أهميته البالغة، خصوصاً وأن المملكة تعاني منذ سنين جرائم مماثلة؟. هذا الكلام ليس دقيقاً، بل عالجت وزارة الداخلية الجرائم التي تمس الجوانب الشخصية، بقرارِ وزاري (163 عام 1417ه) علاجاً وقتياً، وأما لكونه عيباً، فلا أعتقد ذلك بنسبة كبيرة، مضيفاً، صحيح أن التأخير قد أثر من ناحية التقليدية في التعامل، كأي جريمة مادية أخرى، إلا أنني أعد ذلك إنجازاً، وخطوة ترفع من رصيد المملكة محلياًَ وعالمياً. اختلاف الأنماط العمرية * هل هناك عمر معين تكثر فيه بعض أنواع الجرائم التي ذكرتها؟ - لا يوجد، بل تختلف الأنماط العمرية التي يحددها علماء النفس في الجرائم المادية إلى حد كبير وخطير؛ لأن هذه الجريمة كما أسلفنا من الجرائم الخضراء التي لا تحتاج إلى أدوات تقليدية، أو جهد يذكر، فعمليات الجرائم المنظمة في البنوك العادية، غالباً ما تنشأ بين العمر (30 36)، بينما المعلوماتية قد تصبح لمن هم في سن (18 50). محكمة خاصة للمعلوماتية * ما رأيكم بإنشاء محكمة خاصة لجرائم المعلوماتية؟ - أغلب الدول المتقدمة لها هيئات أو لجان، أو محاكم خاصة، مثل اللجنة القومية في فرنسا، وبعض محاكم الولاياتالمتحدة، وكذلك المحكمة الإيرانية المؤقتة وغيرها، مضيفاً فكرة إنشاء محكمة خاصة من الصعوبة التأهيلية والإدارية بمكان، فالذي أقترحه على مجلس القضاء الأعلى، ولا أظن أن مثل هذا الأمر يغيب عليهم، هو تأهيل القضاة، لمواكبة هذا الانجراف الإجرامي المعلوماتي، بسلاح القاضي الفني، وتهيئة إجراءات تقاض بطابع خاص، يتميز بالسرعة، خاصة في قضايا الأموال، ضمن التغيرات النهائية لنظام المرافعات والديوان والتحقيق الأخيرة. محققو جرائم المعلومات * هل هناك محققون وقضاة يختصون بنظر جرائم المعلومات؟ - لا يوجد حتى هذه اللحظة، ولايزال موضوع التخصيص محل نظر رئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس ديوان المظالم، وكذلك رئيس هيئة التحقيق، وهم من يقرر الحاجة إلى ذلك من عدمها. التخصيص ولا غيره * لو كنت صاحب القرار إلى أي خيار تميل؟ ولماذا؟ - للتخصيص طبعاً، فبعضهم يقول إن مآل جريمة المعلومات إلى التقليدية، فغاية جريمة التقاط صور الفتيات، أو الهجوم على حسابات الأفراد، أنهما من قبيل جرائم العرض والمال، فيحكم فيها ب "التعزير" وإرجاع المال، ومنهم من يقول هي أخطر من ذلك، والصحيح أن غالبية المحققين والقضاة تنحصر معلوماتهم في تكييف عقوبات الجرائم التقليدية، وهذه جرائم تستخدم تقنية عالية حديثة لا تتناسب مع هذا المبدأ الحالي، فإن الخبير ويمثله هنا "هيئة الاتصالات" لا يسد فراغاً، إذن كيف سيطبق المحقق والقاضي مبادئ الظروف المخففة والمشددة، والتكييف الفقهي الدقيق في مثل قضية اختلاس بطاقات الائتمان، إذ بعض الفقهاء المعاصرين قال: يقام عليه الحد لتوفر الشروط، ومنهم من قال: لا يعد حداً لفقد شرط توفر المعلومات في حرز؛ لأن الحرز في المعلومات المالية الإلكترونية يعتمد كلياً على مدى توفر الضمانات الفنية، والحماية النظامية للتعاملات التي تتم بطريق الحاسب، فهذه الأمور كلما قويت، دلت على وجود الحرز الذي هو شرط من شروط اكتمال جريمة السرقة، وإلا فلا، بل بعضهم قال: يطبق على المجرم المعلوماتي حد الحرابة، وهو من أشد الحدود، فكيف تدرك هذه الأمور إلا من مختص في التحقيق والقضاء. الإعلام ونشر الجريمة * ما دور الإعلام في تصعيد قضايا المعلومات؟ الإعلام سلطة رابعة ترتيباً، والأولى تأثيراً، لذلك فإن دور الإعلام في مثل هذه القضايا، هو التوعية ونشر التثقيف الشرعي والنظامي في خطورة هذه الجرائم على كافة مستوياته، ولكن الواقع أن وسائل الإعلام تنشر أخبار جرائم الإنترنت النادرة للإثارة فقط، وقد تجاوز ذلك لتعرض تفاصيل الجريمة التي لا يعلمها كثيرون، فتكون ساهمت في تعليم الجريمة وبطرائق قانونية. المطالبة المالية غير معمول بها * الضرر المعنوي هل هو متاح في محاكمنا، وهل يضمن القانون حق المتضرر؟ المطالبة المالية عن الضرر المعنوي غير معمول بها قضائياً، إلا إذا كان الضرر المعنوي تعدى لضرر مادي، والقوانين العالمية تأخذ به مثل القانون المصري، واللبناني، والنمساوي، وكذلك الفرنسي، ولكن الذي رجحته في بحثي للماجستير، أن التعويض عن الضرر المعنوي لا يجوز، وهو رأي جمهور الفقهاء بل يكتفى فيه ب"التعزير". خطر جريمة العصر * لماذا لا يكون هناك ندوات ومؤتمرات توعوية عن خطر جريمة العصر؟ - أول وأضخم مؤتمر عقد هو "ملتقى الجرائم المعلوماتية" قبل أشهر قليلة، برعاية الشيخ محمد العبدالله رئيس هيئة التحقيق، وللاطلاع على المؤتمر، هذا هو الرابط الخاص ("http://www.bip.gov.sa/aec)، إضافة إلى مؤتمر دولي عقد أخيراً نهاية إبريل الماضي في مملكة البحرين بنفس المحاور تقريباً. إجراءات التبليغ * ما الإجراءات التي يتبعها المواطن الذي تعرض لجريمة معلوماتية؟ - في البداية يتم تبليغ الجهات الضبطية وهي مركز الشرطة أو هيئة الأمر بالمعروف، أو إمارات المناطق، لتقوم هي بدورها في رصد البلاغ وفحصه وثبوته، لترفعه للجهات العدلية، بدءاً من هيئة التحقيق والادعاء العام، وبعد ثبوت قرار الاتهام الصادر من المحقق، تحال إلى المحكمة المختصة، لإصدار الحكم كما هو منصوص في النظام، وإن تعلق به حق خاص حكم إضافة عليه بما يتناسب، وفي جميع المراحل يتم التواصل عند اللزوم بهيئة الاتصالات.