وصف أستاذ السياسة الأميركي البارز جون ميرشايمر حل الدولتين في فلسطين الآن بأنه أصبح محض خيال ووهما كبيرا، مؤكدا أن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة في الضفة الغربيةوغزة، كما تريد إدارة الرئيس أوباما وبقية العالم. وقال إن أحد السيناريوهات الأكثر واقعية الآن يتمثل في قيام إسرائيل بضم أراضي الضفة الغربيةوغزة إلى "إسرائيل الكبرى"، التي ستكون دولة فصل عنصري تحمل الكثير من أوجه الشبه بدولة جنوب أفريقيا العنصرية البيضاء قبل تفكيك نظام الفصل العنصري فيها في مطلع تسعينيات القرن الماضي. ولكن عالم السياسة والباحث الأميركي البارز ميرشايمر، وهو مدير برنامج سياسة الأمن الدولي بجامعة شيكاغو ومؤلف العديد من الكتب السياسية المهمة، يعتقد أن دولة فصل عنصري في إسرائيل لن تكون دولة "قابلة لحياة لفترة طويلة". ويقول ميرشايمر، الذي طرح نتائج دراسته الجديدة عن الوضع في "إسرائيل/فلسطين" في محاضرة ألقاها في المركز الفلسطيني للأبحاث الأسبوع الماضي في ذكرى رحيل مؤسس المركز وأستاذ الاجتماع والدراسات العربية المعاصرة الدكتور هشام شرابي، أن دولة إسرائيل بهذه الصبغة ستحول في نهاية المطاف إلى دولة ديمقراطية ثنائية القومية يسيطر الفلسطينيون في النهاية على سياستها، وهو ما يعني أنها ستنتهي "كدولة يهودية". وأوضح ميرشايمر، الذي اشتهر بتأليفه مع أستاذ العلوم السياسة بجامعة هارفارد ستيفن وولت كتاب "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" الذي انتقد فيه بالبراهين والأدلة السياسية والتاريخية نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة وترجم إلى 17 لغة حتى الآن وبلغ قمة قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا في العام 2007، أنه عدا عن سيناريو إقامة دولة فلسطينية مستقلة الذي أصبح "محض خيال"، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية لما يمكن أن تصبح عليه المنطقة التي تقوم عليها إسرائيل والأراضي الفلسطينية حاليا. وقال إن سيناريو الدولة الفلسطينية المستقلة الذي طرحه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في الأشهر الأخيرة لعهده الرئاسي الثاني في العام 2000، يتصور سيطرة الفلسطينيين على 95 بالمئة من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، وضرورة أن تكون هناك مبادلات أراضٍ متفق عليها بين الفلسطينيين وإسرائيل لتعويض الفلسطينيين عن نسبة الخمسة بالمئة التي تريد إسرائيل الاحتفاظ بها في أراضي الضفة الغربية لمستوطناتها الكبرى في هذه الأراضي. وإضافة إلى ذلك فإن القدسالشرقية، بعد الاتفاق على ضم إسرائيل لأراضٍ معينة منها، ستصبح عاصمة الدولة الفلسطينية، التي ستكون هناك قيود على تسليحها وتحالفاتها السياسية والعسكرية في المنطقة. ولكن خطة كلينتون، التي تعتمد عليها إدارة أوباما الآن لتسويقها كخطة لإقامة الدولة الفلسطينية وحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تتصور سيطرة الفلسطينيين على الموارد الطبيعية تحت أرض دولتهم، بما فيها المياه، وعلى أجواء تلك الأراضي أيضا. ولكن ميرشايمر يؤكد أن ذلك "لم يعد واقعيا أو قابلا للتطبيق عمليا" الآن بالنظر إلى ما قامت به إسرائيل من ممارسات بناء ومصادرة أراضٍ على مدى سنوات احتلالها لهذه الأراضي منذ أكثر من 40 سنة، وبالنظر إلى طبيعة القوى السياسية الإسرائيلية الآن و"مزاجية" الناخب الإسرائيلي وقوة المستوطنين". ويوضح الأستاذ الأميركي السياسي البارز أن أول السيناريوهات الثلاثة الأخرى هي أن تصبح دولة "إسرائيل الكبرى" بعد ضم كل الأراضي الفلسطينية إليها، دولة ديمقراطية ثنائية القومية في النهاية، وهو ما يعني نهاية دولة إسرائيل اليهودية بسبب تفوق الفلسطينيين الديمغرافي على إسرائيل خلال فترة وجيزة. والسيناريو الثاني هو أن تقوم إسرائيل بإبعاد غالبية الفلسطينيين من "إسرائيل الكبرى"، وذلك لمنع انتهاء دولة إسرائيل اليهودية عبر عمل مكشوف من أعمال التطهير العرقي في القرن الحادي والعشرين. ويقول ميرشايمر إنه لا يستبعد أن تعمد إسرائيل إلى فعل ذلك "كما أظهرت ممارساتها في مجزرة غزة قبل أقل من سنتين. واستشهد بما فعلته إسرائيل في العام 1948 حين قامت بطرد 700,000 فلسطيني من أراضي فلسطين 1948 لإقامة الدولة اليهودية. كما استشهد بطرد إسرائيل ما بين 100,000 و260,000 فلسطيني من الضفة الغربية في العام 1967 فضلا عن 80,000 سوري من هضبة الجولان المحتلة. ولكنه يعتقد أن ذلك سيكون من الأصعب كثيرا على إسرائيل القيام بعمل كهذا اليوم في عصر "الفضائيات التلفزيونية والإنترنت". أما السيناريو الثالث برأي الباحث الأميركي السياسي البارز فهو أن تتحول إسرائيل إلى دولة "ذات طابع فصل عنصري من نوع ما"، حيث تزيد إسرائيل حسب هذا السيناريو من سيطرتها التدريجية على الأراضي الفلسطينية مع السماح للفلسطينيين بممارسة "حكم ذاتي محدود في سلسلة من الجيوب غير المتواصلة جغرافيا والمقعدة اقتصاديا". وقال ميرشايمر إنه على هذا الأساس، فإن إقامة الدولة الفلسطينية هو "أفضل الخيارات المتاحة للفلسطينيين حاليا، مع أنه ليس الخيار المثالي لأنه ليس كذلك فعلا". وشدد على أن هذا الخيار هو "الخيار الأفضل للإسرائيليين وللولايات المتحدة أيضا، وهو ما يفسر لماذا تعمل إدارة أوباما بقوة على متابعته". لكنه قال إن "الحقيقة هي أن الفلسطينيين لن يحصلوا على دولتهم المستقلة في أي وقت قريب.. وإنهم بدلا من ذلك سيجدون أنفسم يعيشون في دولة فصل عنصري يهيمن عليها اليهود الإسرائيليون". واستند ميرشايمر في تحليله بالنسبة إلى عدم واقعية تطبيق خيار الدولة الفلسطينية إلى حقيقة أن "غالبية الإسرائيليين اليوم يعارضون تقديم التضحيات الضرورية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والنمو". وقال إنه ينبغي الأخذ في الاعتبار أن هناك اليوم 480,000 مستوطن إسرائيلي يقيمون في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، فضلا عن بنية تحتية هائلة من الطرق الالتفافية والرابطة للمستطنات الإسرائيلية، عدا عن المستوطنات نفسها. وقال إنه سيكون لزاما إزالة جزء كبير من هذه البنية ونقل أعداد كبيرة من المستوطنين لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو أمر لا يبدو أن هناك حكومة إسرائيلية مستعدة اليوم للقيام به في مواجهة "هذا العدد الضخم من المستوطنين الذين هم مستعدون للتصدي له بقوة السلاح إن لزم الأمر".