يبقى عمل "تيرمان" في جامعة ستانفورد أنموذجًا لكيفية تحقيق تميز حقيقي للجامعة. وتوجد ثلاثة جوانب توجيهية في عمله قبل إدارته، وهي: الأول، تجربته أثناء الحرب العالمية الثانية في مختبر البثّ اللاسلكي، والجانب الثاني: نجاحه بالتعاون مع ستيرلينج في تحويل الكلية الطبية إلى مركز قوة في العلوم البيولوجية الحديثة والبحث الطبي، والجانب الثالث جهوده في بناء قمم من الكفاءات العلمية في "ستانفورد"، لتشكل هذه القمم –كما يصفها كول- أبراجًا رمزية تساوي في أهميتها الأبراج التي بنيت في "بيركلي"، والتي ستجعل "ستانفورد" بمثابة جامعة "هارفارد" أخرى و"معهد ماساتشوستس" آخر في غرب البلاد. استخدم "تيرمان" أنموذجًا متحركًا للجامعة، وليس ساكنًا؛ أي أنه سخّر طاقته للعناية بما يتطلّبه تغيير المجتمع من خلال جامعات بحث عظيمة في المستقبل. ويرى أنه «على قادة الجامعة أن يجعلوا المؤسسة تستفيد تمامًا من الظروف الاجتماعية الجديدة، وأن يكونوا منفتحين على مستجدات التغيير الاجتماعي والأكاديمي، ومتطلعين باستمرار إلى المستقبل، من دون أن يسقطوا ضحية النظر إلى الوراء وإلى أوهام العصر الذهبي البائد». ومن أبرز قراراته، أنه حينما قررت الحكومة الفيدرالية بعد الحرب العالمية أن تدعم العلوم ماديًا في الجامعات، قبل ذلك، ورغم أن بعض الرؤساء والمديرين شعروا بالإحباط من فكرة الدعم، لأنهم اعتقدوا أن دور الحكومة المتزايد في حياة الجامعة سوف يؤدي إلى فقدانها استقلاليتها، وأنها سوف تُغيّر من المنهج من خلال التركيز على العلوم البحتة على حساب العلوم الإنسانية (التي يخشاها السياسيون دائمًا) بما يُساعدها على التوسّع في التحكّم البيروقراطي في الجامعة ولكن، بمشورة من أستاذه "فانيفار بوش"، استجاب "تيرمان" لتدخل الحكومة الفيدرالية في الدعم المالي للبحث، ليس لتأييده التقليل من قيمة العلوم الإنسانية أو ما يتصل بذلك من تقييد الحريات؛ ولكن لإدراكه الجانب الإيجابي لدور الحكومة في توفير الدعم المالي بما يساعد الجامعات على لمضي قدمًا في مشروعاتها التطويرية، بما يجعلها محرّكات تجديد في البلاد. ومن سمات "تيرمان"، التي أشار إليها كول، إيمانه أن على المدير أن يكون الحارس الأساسي للكفاءة. ومن خلال اتّباعه هذا المنهج في "ستانفورد"، كفل عدم مساواة أي جامعة بكفاءة "ستانفورد"، وآمن أن على المدير أن يراجع كل وظيفة في الكلية، ولاسيما المناصب الرئاسية، وأن يدرسها من ناحية تميز البحث وقوته. فقام بتوظيف الأفضل من خلال الاعتماد على مجموعة من الباحثين المتميزين ؛ لأن عمل الباحثين والمدرسين الأَكفاء هو الطريق نحو التميّز الذي رغب في أن يصل إليه. ورأى أيضًا أنه بشأن عملية التوظيف، يجب على المدير ألا ّيعتمد على آراء أولئك الأساتذة العاملين في مناصبهم، أو أن يثق بمصدر واحد فقط، بل عليه أن يؤسّس شبكة من المستشارين الموثوقين ليساعدوه في تقييم الكفاءة. ومن المهم أيضًا أن يقيّم أحيانًا الكفاءة الراهنة للأقسام وكلياتها بصورة قاسية كي يُطوّر أفكارًا تساعد على تحسين وضعها. فسعى إلى البحث عن أفضل الناس الموجودين في الجامعات والمعاهد الأخرى من أجل توظيفهم. وبالاعتماد على قدرات كبيرة من الإقناع والتحفيز، تمكّن من استقدام الكيميائي والبيولوجي "آرثر كورنبيرغ" (Arthur Kornberg) من جامعة واشنطن في "سانت لويس"، وعالم الجينات "جوشوه ليدربيرغ" (Joshua Lederberg) من "ويسكونسن" للمساعدة على تنظيم قسم الجينات (وكلٌّ منهما نال جائزة نوبل بعد ذلك). كما استقدم "ميلفين كوهن" (Melvin Cohn) و"بول بيرج" (Paul Berg) اللذين نالا في عام 1980 جائزة نوبل في الكيمياء على عملهما في "ستانفورد"، كما طلب الباحث في علم المناعة "هالستد هولمان" (Halsted Holman) من معهد "روكفيلر" ليصبح وهو في سن الخامسة والثلاثين رئيسًا لقسم الطب. وفي عام 1961 استقدم "ديفيد هامبورغ" (David Hamburg ) من المعاهد الوطنية للصحة ليرأس قسم العلوم السلوكية والعلاج النفسي. يتبع