يقف المرء وفي ذهنه الكثير من الحيرة ليرى كيف أن مفعول التواصل الالكتروني في المجتمع يؤدّي دوراً، رأيناه صوتاً مسموعاً يكاد يعلو على كل صوت حتى لو اصطنع البعض الصمم، خصوصاً إذا جاء برنين إنساني. فقد قرأنا عن فتاة سعودية، اتهمت والدها بتزويجها دون موافقتها، والاستيلاء على مهرها، الذي اشترط أن يكون مئتي ألف ريال. وعلى رغم أنه لم يبق على زفاف الفتاة إلى أحد أقاربها سوى أيام، إلا أنها تجد نفسها في «مأزق» بعد استيلاء والدها على المهر الذي كان يفترض أن تشتري بجزء منه بعض مستلزمات الحياة الزوجية. لجأت إلى إحدى الناشطات الحقوقيات علّها تخفف الوطأة، لمساعدتها في قضيتها، فقامت الأخيرة بنشر قضيتها بتفاصيلها كافة في أحد مواقع شبكة الانترنت، ما استدعى تدخل أطراف عدة لفض النزاع. الخبر أن الفتاة لجأت إلى صديقة، ثم إلى قريبة لشرح الوطأة على فتاة مقبلة على زواج، ستذهب إلى زوج كان كريماً معها ومع والدها. لكنها ستصل إليه شبه معدمة من كل شيء، إلا من القلق والإجهاد والحيرة. أعجب من جنس بشري لم تردعه الأصول و«السّنَع»، وردعه الانترنت والمواقع، ورغبته في تفادي الخزي أمام الأهل و«الحمولة». لب الموضوع هو كون التجمعات النسائية أصبحت في بلادنا قادرة على التعبير عن الذات، ومعها مهارات التواصل مع الجمعيات الناشطة في مجال حقوق المرأة ومنع التعسّف ضدها بهذا الشكل الذي قرأناه. وصار الرجل الاعتباطي أو التحكمي أو الاستبدادي يحسب حساب تداول اسمه وتصرفه في المواقع. وقبل كان لا يخشى الإجراءات الرسمية والمناصحة الشرعية. أقف لأقول إن الشبكات والمواقع - مع سلبياتها - بدأت تؤتي يانع الثمار في حق القول والشكوى وعرض البلوى. ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجعْ حتماً هذا الشعر قبل انتشار الشبكة الدولية (الانترنت). وهو حكمة، أو كما يقول أهل مصر «فضفضة». والتحكيم الأسري صار - في يومنا هذا - لا يجدي نفعاً، وكذا الطرق الأخرى والمسالك الطويلة، وهنا حلت المواقع والنشر الالكتروني كبديل للإبلاغ عن الوهن الاجتماعي والضيق والنقائص التي تفترس الجزء الضعيف من البشر. وأيضاً كثرة الزلات الناشئة عن ضعف خلقي أو نفسي متعمق في جزء من مجتمعنا، لا تنفع به المحاكم ولا المداعاة. فإذا قال الأب: أنا وليُ أمرها، ف: «وَرَدَ الفرات زئيرهُ والنيلا». فسوف يقف الكل خوفاً وطوعاً. أهل التجارة والخدمات يقولون: الزبون دائماً على حق. الآن جاء النشر الإلكتروني ليقول: والمرأة أيضاً على حق.