تشكلت العمارة الإسلامية وفنونها عبر التاريخ الإسلامي بفسيفساء حملت جوانب عدة من معالم الحضارة الإسلامية، فكانتَ مناراة للعلم والتقدم ؛ وتجلت العديد من تقنيات العمارة الإسلامية في استخدام الطين والحجارة والجبس فأبدعت الأيادي منحوتات زخرفية امتدت من الأندلس غربا وحتى أواسط أسيا شرقا. وبرزت في العمارة الإسلامية الأنظمة الميكانيكية والكيميائية وتوظيف الطبيعة كأحد أهم معايير العمارة الإسلامية، حيث دخلت تقنيات الصوت والضوء والتهوية وأنظمة المياه والبخار والعلاج الطبيعي وأشكال العقود المعمارية والتيجان والقباب والمحاريب والمنارات والمآذن وتقنيات الهندسة الصوتية فائقة الدقة التي تتيح توزيع الصوت لجميع أنحاء البناء ضمن الرؤية الهندسية للعمارة الإسلامية إلى جانب الزخارف المعمارية والوحدة الشكلية الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى خصائص تتعلق بالإهتمام من البناء الداخلي أكثر منه خارجاً وهو ما يسمى في عرف المعماريين بالجوانية. لقد استطاع المسلمون خلال خمسة عشر قرناً وضع بصمة مشعة في سلسة الحضارات العالمية، ويمكن القول " أينما حلت الحضارة الإسلامية كانت الهُوية في الفن المعماري الإسلامي بارزة مثل الشمس في رباعة النهار".لقد أفاد المسلمون في بداياتهم المعمارية الأولى من المهندسين والبنائين والصناع الإغريق والبيزنطيين والفرس والقبط وغيرهم، غير أنهم قد استطاعوا بعد ذلك أن يقدموا للإنسانية فناً متميزاً يدل على براعتهم الفريدة ومن ذلك ما استعمله المعماريون المسلمون في مبانيهم كل أنواع مواد البناء كالحجارة والطوب المحروق والرخام والخزف، والخشب والحديد والنحاس، وكانت الخلطة اللاصقة من الجبس، أما الجير فكان يستعمل في المباني التي تحتاج إلى مقاومة الماء، كالأسقف والقنوات والمصارف، وكذلك في لصق الرخام.وكانوا يستعملون خلطة من الجبس والجير في صناعة الطوب المحروق، وقد اختلف عمق الأساس في الأرض حسب المبنى، ففي بعض المباني الضخمة كانوا يصلون إلى عمق عشرة أو أَحَدَ عَشَرَ متراً تحت مستوى سطح الأرض، وكانوا يستعملون أنواعاً من الحجارة الصلبة كالجرانيت أو البازلت في الأساس. وقد استقى المعماريون المسلمون من شتى العلوم والمعارف المعروفة في عصرهم وطبقوها في مبانيهم، ومن أهم هذه العلوم علم الحيل (علم الميكانيكا) وعلم الكيمياء وعلوم الطبيعة، وابتكروا أنواعا من الآلات الميكانيكية لرفع الثقل الكبير بالجهد اليسير أو لجره، منها أنواع من الكرات، وآلات مثل المكاحل والبرم والمنخل والصفين واللولب والقرط، وكانت الحجارة الكبيرة ترفع إلى أعلى المبنى بحبال معلقة على مجموعة من البكرات بحيث يجرها ثور واحد فيرفعها بسهولة إلى أعلى. وطبق المعماريون العديد من قواعد علم الكيمياء فصنعوا أنواعا من الدهانات والأصباغ التي تتميز بالثبات والبريق، ومن المعروف أن المسلمين أول من استعمل الزجاج الكريستال الذي ابتكره العالم الأندلسي عباس بن فرناس سنة 887م، كما استعملوا في النوافذ الزجاج الملون والمعشق في أشكال هندسية. بناء القصور والبيوت، مع اتساع الفتوح واستقرار العرب في بلاد الخضرة والماء ومع الرخاء الزائد شرعوا في بناء القصور الفاخرة، وللبيت العربي عمارته المميزة وأقسامه الثابتة رغم اختلاف العصور والبلدان، فهو ينقسم في تأسيسه إلى ثلاثة أقسام رئيسية: قسم خارجي ويسمى (الواصل)، وفيه مركز الحرس والسائس والخيل والعربات، وقسم أوسط ويتضمن القاعات المهمة للاستقبال والجلوس والطعام، والقسم الثالث وفيه غرف النوم وقاعات الحريم. وأغلب البيوت العربية ذات واجهات صماء خالية من النوافذ الخارجية، بحيث لا يتبين المُشاهد روعة العمارة والزخرف إلا بعد أن يدخل صحن البيت، حيث تواجهه ساحة مفتوحة للسماء تتوسطها سقيفة كبيرة يتدفق إليها الماء من نوافي على أشكال حيوانية، ويحيط بالبِرْكة أشجار الليمون والبرتقال والفل والياسمين بعطورها الفواحة، ويحيط بهذه الساحة غرف البيت من كل جانب، وغالبا ما تكون من دورين أو ثلاثة أدوار، وترتفع جدران الغرف إلى أكثر من خمسة أمتار. وتطل الغرف على الساحة من خلال مشربيات من الخشب المزخرف المطعم بالعاج، ولها نوافذ تسمى بالشمسيات والقمريات، وقد بلغ عدد الغرف في بعض قصور بني أمية ما يزيد عن الثلاثمائة غرفة، وأهم غرف القصر هو الإيوان، ويبلغ ارتفاعه ضعفي ارتفاع الغرف العادية وفي سقفه قبة دائرية، وفي كل قصر أيضا قاعات صيفية في الجهة الشمالية تُبرَّد بالنواعير المائية ولاقف الهواء. وقد وجد في هذه القصور ملاعب وساحات ومخازن تسمى بالخزائن، منها خزائن الكتب، وكان في قصور الفاطميين أربعون غرفة، ثم خزائن الكسرات الصيفية، وخزائن الجواهر والطيب، ثم خزائن الأربة - أي الأدوية. وكانت القصور تزخر بالفن المعماري والزخرف الإسلامي الذي يشمل الأرض والحوائط والسقوف، وتحلَّى بآيات قرآنية تزين جدران البيت من الداخل والخارج، وأغلبها يُذَكِّر أصحابه بالتواضع لله والشكر له على نعمائه. وعملاً بأوامر الإسلام التي تحث على إيصال الخدمة العامة وتيسيرها للرعية، والمساواة بين الغني والفقير في حق الرعاية، فقد اهتم الحكام المسلمون بمؤسسات الخدمة العامة اهتماماً كبيراً وخاصة المستشفيات والاستراحات والمطاعم الشعبية والحمامات الشعبية، فكانت تلك المرافق أشبه بقصور الأثرياء من حيث الفخامة المعمارية والزخرف الإسلامي. وتتجلى التقنية الإسلامية في الحمامات، فالمسلمون أول من أنشأ في مدينتهم شبكة مياه في مواسير من المعدن توصل الماء بانتظام إلى الحمامات الشعبية وإلى البيوت، وفي الحمامات غرف للبخار (السعونا)، وغرف للعلاج الطبيعي (التدليك). اهمال عمارة القلاع والتركيز على العدل ومن الأشياء اللافتة للنظر أن المسلمين لم يهتموا كثيرا بعمارة القلاع التي استولوا عليها من الرومان في الشام ومصر وإفريقيا، ولم يهتم المسلمون بسكناها أو تعميرها، والسبب في ذلك أن المسلمين لم يكونوا في البلاد المفتوحة كغزاة أو مستعمرين أو حكام غرباء حتى يتحصنوا من أهلها، وتحضرنا هنا كلمة للخليفة عمر بن عبد العزيز عندما طلب أحد الولاة منه أن يبني حصنا في الولاية لحمايتها فقال له: "حصنها بالعدل، وكفى بالعدل حصنا". وفي جانب التقنيات المعمارية التي اتخذها المسلمون في عمارتهم تمثلت في الوصول إلى استحداث عناصر وتقنيات ونظم لم تكن معروفة من قبل، وذلك مثل أشكال العقود والتيجان والقباب والمحاريب والمنارات والمآذن بالإضافة إلى جانب تقنية الصوتيات المعمارية حيث يدين علم الصوتيات بنشأته وإرساء أصوله المنهجية السليمة لعلماء المسلمين في عصر النهضة الإسلامية، وقد أفادوا من تطبيقاته في مجالات حيوية مختلفة، من بينها تطوير تقنية الهندسة الصوتية، واستخدامها فيما يعرف الآن باسم "تقنية الصوتيات المعمارية" فقد عرفوا أن الصوت ينعكس عن السطوح المقعرة ويتجمع في بؤرة محددة، شأنه في ذلك شأن الضوء الذي ينعكس عن سطح مرآة مقعرة ؛ بمعنى إذا أُجرِيَ حسابٌ دقيقٌ لهندسة السطوح المقعرة فإنه يصبح بالإمكان تسليط الأمواج الصوتية المنعكسة، وتركيزها في اتجاهات معينة بحيث تزيد من وضوح الصوت وشدته، أما إذا لم تراع الحسابات الدقيقة لأماكن السطوح المقعرة وأبعادها بالنسبة لأماكن إصدار الصوت واستقباله، فإنه ينتج عن ذلك "تشويش" لدى السامع. وقد استخدم التقنيون المسلمون خاصية تركيز الصوت في أغراض البناء والعمارة، وخاصة في المساجد الجامعة الكبيرة لنقل وتقوية صوت الخطيب والإمام في أيام الجمعة والأعياد، ومثال ذلك: مسجد أصفهان القديم، ومسجد العادلية في حلب، وبعض مساجد بغداد القديمة، حيث كان يصمم سقف المسجد وجدرانه على شكل سطوح مقعرة موزعة في زوايا المسجد وأركانه بطريقة دقيقة تضمن توزيع الصوت بانتظام على جميع الأرجاء. وهذه المآثر الإسلامية الباقية حتى اليوم خير شاهد على ريادة علماء الحضارة الإسلامية في تقنية الصوتيات الهندسية المعمارية، وذلك قبل أن يبدأ العالم المعروف "والاس ك سابين" حوالي عام 1900م في دراسة أسباب سوء الصفات الصوتية لقاعة محاضرات في جامعة "هارفارد" الأمريكية، وتتبع سلوك الخواص الصوتية للقاعات وحجرات غرف الموسيقى. ويتبين مدى أهمية تطوير المسلمين لتقنية الصوتيات المعمارية حين نعلم أن خاصية تركيز الصوت التي لفت المسلمون الأنظار إلى فوائدها التطبيقية تستخدم في الحضارة المعاصرة جزءا أساسيا من هندسة الصوتيات المعمارية، حيث تزود المسارح وقاعات الاحتفال الكبيرة بجدران خلفية مقعرة تعمل على ارتداد الصوت وزيادة وضوحه، ويمكن تحسين الحالة الصوتية في القاعات باستخدام ألواح من مواد ماصة للطاقة الصوتية مثل "الفلين" و"الجبس" ونسيج "الألياف الزجاجية" وتوضع هذه الألواح في أماكن معينة على السقف والجدران بغرض تقليل دوي الصوت أو التخلص منه.