ليست المرة الأولى! ولن تكون الأخيرة! نشرت الوطن في عدد رقم 3487 بتاريخ 3 جمادى الأولى 1431 ه، خبرا عن سائق في نهاية الأربعينات يعتدي على فتيات في المرحلة الابتدائية، حيث يوضح الخبر أن طفلة في الثامنة أبلغت أهلها بتصرفات الرجل الغريبة والذين قاموا بالتبليغ عنه، لتنكشف تفاصيل عن تصرفاته المتكررة. ما لفت نظري هو أن هذا الرجل وهو مقيم لديه قضايا أخلاقية سابقة كما ورد في الخبر! أي أن الرجل "مسجل خطر" لديه سوابق. السؤال قبل أن أكمل الحديث؛ كيف يمكن لهذا الرجل - المقيم- أن يبقى في البلد ويعمل إذا كانت له قضايا سابقة؟ هل يعني هذا أن التهم السابقة لم تثبت عليه، هل جرائمه السابقة لم تستدع العقوبة مثلا وبالتالي تمكن من البقاء والاستمرار في العمل؟ هذه الأسئلة لم أجد إجابتها في الخبر المنشور. تصادفت قراءتي للخبر مع مشاهدتي نقاشا حادا في إحدى القنوات الأجنبية عن وضع المعتدين على الأطفال في قائمة المجرمين المتهمين بالجرائم الجنسية والذي يعني أن هناك قوانين معينة تتعلق بمكان إقامتهم ونشر جرائمهم وتحذير المجتمع منهم، وكان النقاش عما كان هذا اعتداء على حقهم الإنساني في العيش بسلام بعد انتهاء مدة عقوبتهم! وما علق بذهني من النقاش هو الحديث عن المعتدين على الأطفال جنسيا، وعن تصنيفهم كمجرمين أو مرضى، في النهاية لو نظرنا للفعل فإنه فعل إجرامي بغض النظر عن حالة فاعله العقلية أو الجسدية وبالتالي فإن أي فعل إجرامي يجب أن يعاقب صاحبه، ولأن هذا الفعل الإجرامي يتعلق بالأطفال الذين قد لا يعرفون كيف يحمون أنفسهم؟ أو لا يستطيعون مقاومة المعتدي، فإن التشهير به ووضع صوره حين يسكن بعد قضائه فترة عقوبته أمر ضروري، خاصة حين يخرج هذا الإنسان من سجنه ويعود للمجتمع. كان الحوار يدور حول نقطة معينة، هل يمكن لمثل هذا المجرم أن يتغير؟ هل هي حالة مرضية يمكن علاجها نفسيا و طبيا؟ علقت في ذهني جملة قالتها إحدى المشاركات؛ " هل الأمر المهم هو حماية الأطفال من الاعتداء الجنسي أم البحث عن أعذار لهؤلاء المجرمين؟" طبعا هذا الحوار قد لا يعنينا؛ خاصة أنه لا يتعلق بمجتمعنا لكننا نحتاج أن نعرف من تجارب الآخرين ونفهمها. لنعود لحادثة السائق المفجعة والتي ليست الأولى ولا الأخيرة في الاعتداء على الأطفال، سواء أكان هذا اعتداء مقنناً تحت وثيقة زواج يبيع فيها الاب طفلته التي لم تتجاوز العاشرة رغما عنها وهي غير مهيئة جسديا أو نفسيا للزواج من رجل ستيني أو ثمانيني قد يكون مصابا بمرض معد أو لديه هوس مرضي بالصغيرات، أو كان اعتداء إجراميا كما فعل هذا السائق. ما علينا أن نفهمه هو أن المجرمين الذين يعتدون على الأطفال في العادة يملكون شخصيات جذابة وقادرة على إقناع الآخرين والتواصل معهم لهذا يستطيعون السيطرة والوصول للأطفال. وبالتالي نحن لا نتحدث عن المجرم الذي تصوره المجلات والمسلسلات ذي الملامح القاسية والعلامة الفارقة في وجهه، بل إننا نتحدث عن شخص عادي وذكي جدا تمكن من أن يحصل على ثقة الآباء والأمهات كي يأتمنوه على أطفالهم ومع ذلك خان الأمانة، ولو لم تفضحه إحداهن لاستمر. إذا اتفقنا أن الاعتداء على الأطفال جريمة فأظن أننا نعرف جيدا أن هذه ليست مثل جريمة سرقة سيارة أو سرقة مصرف أو التعدي على الممتلكات العامة لأن المعتدى عليه -الطفل قليل الحيلة- سيحمل آثار هذه الجريمة النفسية والجسدية طوال عمره وبالتالي فإن علينا أن نأخذ خطوات اجتماعية تبدأ بحملة توعية وطنية جريئة في مضمونها وخطابها، وعلينا أيضا أن نفكر في خطوات واضحة المعالم لحماية هؤلاء الأطفال من التعرض لمثل هذه الجرائم.