الاتفاقية الأمريكية الروسية الأخيرة (بخصوص الأسلحة النووية) ذكرتنا مجددا بوجود أسلحة إبادة حقيقية كفيلة بإبادة جميع البشر .. وأقول (حقيقية) لأن مشاريع إيران وكوريا الشمالية اعتبرها مجرد وسيلة لصرف الانتباه عن 27 ألف رأس نووي جاهزة للانطلاق في الدول الكبرى (المسيطرة على مجلس الأمن) .. والعجيب أنه حتى عشرين عاما مضت، كانت المسألة النووية هي قضية الرعب الأساسية التي يخشاها عقلاء العالم قبل أن يطغى عليها بالترتيب الهوس بمرض الإيدز، وثقب الأوزون، والانحباس الحراري، والإرهاب الإسلامي، وموجة أوبئة .. ختمناها مؤخرا بإنفلونزا الخنازير... ولكن من وجهة نظر إحصائية محايدة تظل الأسلحة النووية أعظم وسائل الإبادة الجماعية وأقرب احتمال لإزالة البشر عن وجه الأرض.. وحين نتأمل كل التوترات والحروب التي مرت في آخر ستة عقود نستغرب كيف بقي العالم سليما منذ أغسطس 1945 (حين ألقى الأمريكان أول قنبلتين نوويتين على هيروشيما ونجازاكي أهلكتا 140,000 إنسان) !!! أما ساعة يوم القيامة فهي مجرد رسم رمزي (يشبه الساعة المعلقة في منزلك) ظهرت لأول مرة في مجلة تدعى تقرير علماء الذرة أو Bulletin of the Atomic Scientists .. ففي عام 1947 اقترح رئيس التحرير هايمن جولدسميث تصميم ساعة توضح للناس مدى اقترابنا من النهاية النووية (وأقترح أن تشير الثانية عشرة ليلا للنهاية الحقيقية) .. ورغم بساطة الفكرة، ورغم الاتفاق على الثانية عشرة موعدا لنهاية العالم، بقيت مسألة تحديد الوقت الذي تقف عنده عقرب الدقائق .. وبعد مداولات واستشارات مضنية تم الاتفاق على تثبيت عقرب الدقائق قبل الثانية عشرة ليلا بسبع دقائق فقط (أي11:53 قبل منتصف الليل) !! وكان رأي العلماء (في تأخير الساعة دقائق قليلة عن النهاية الحتمية) أن الكارثة النووية أصبحت حقيقة واقعة بعد ضرب هيروشيما ونجازاكي، وأن الذخيرة النووية لم تعد مجرد نظرية كون المخازن الأمريكية تمتلئ بها فعلا .. وحين فجر الروس أول قنابلهم النووية عام 1949 (بعد عامين من اختراع الساعة) أصبحت المواجهة وشيكة بين الطرفين فتقدم عقرب الدقائق أربع دقائق كاملة واستقر عند 11:57 قبل منتصف الليل. وفي عام1953 تحدت القوتان بعضهما البعض بتفجير أولى القنابل الهيدروجينية، فتقدم العقرب دقيقة إضافية واستقر عند 11:58 .. وكان هذا الرقم هو أقرب نقطة يصل إليها المؤشر بحيث لم يتبق غير دقيقتين تفصل البشرية عن المحرقة النووية .. أما أقصى نقطة تراجع فيها المؤشر فكانت عام 1991 حين ابتعد 17 دقيقة عن منتصف الليل بفضل انهيار الاتحاد السوفيتي وتخلص دولة من أسلحتها النووية، بالإضافة إلى توقيع على أول اتفاقية لتخفيض الترسانة النووية (وحينها تراجعت ساعة يوم القيامة إلى 11:43 مساء) !! ... وهكذا استمر عقرب الدقائق يتغير مابين ابتعاد واقتراب (تسع عشرة مرة) كان آخرها في يناير الماضي حين تراجع دقيقة إضافية بعد اتفاق روسيا وأمريكا على توقيع اتفاقية جديدة لتخفيض حجم ترسانتهما النووية (واستقر حاليا عند 11:54 قبل منتصف الليل) !!! .... ورغم هذا يظل الوضع النووي الحالي أكثر خطورة من وضعه في يونيو 1947 حين ظهرت الساعة لأول مرة . ففي ذلك الوقت لم تكن هناك دولة نووية غير الولاياتالمتحدةالأمريكية بعشر قنابل فقط؛ أما اليوم فتملك أمريكا 10,000 قنبلة وسلاح نووي، وروسيا18,000 والصين400 وفرنسا350 وبريطانيا200 في حين تتفاوت التقديرات بالنسبة لإسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية!! .. ورغم إضافة مخاطر جديدة تؤثر على مؤشر الدقائق (مثل التلوث النووي والانحباس الحراري) يبقى الخطر الحقيقي من السلاح النووي الجاهز للاستخدام في مخابئ روسيا وأمريكا (والذي للأسف لم يعد يحظى بالاهتمام الإعلامي أو الرأي الدولي)... ... بقي أن أشير إلى أن الأمر أبعد ما يكون عن المزحة، وأن فكرة الساعة (التي لا يتم تغييرها إلا بموافقة لجنة علمية ودولية) هي فقط لتوضيح مستوى الخطورة لغير المتخصصين بها.. وفي حين تعد "ساعة يوم القيامة" فكرة جديدة بالنسبة لشعوب العالم نبقى (نحن) بانتظار ساعتنا الخاصة التي لا تتأخر بدورها عن النهاية الحتمية سوى بالنذر اليسير ... {بعثت أنا والساعة كهاتين ، وضم السبابة والوسطى