سوف يعرض على معالي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، نص درامي عن جهازه ، حسب ماجاء في تصريح الفنان محمد الزهراني الذي نشرته هذه الصحيفة يوم السبت الماضي بهدف طلب موافقة معاليه على هذا العمل المقترح الذي كتب لتقديم صورة إيجابية عن الهيئة . ويستدعي هذا المقترح للذهن العديد من صور الجدل حول العلاقة بين الدين والدراما ، وهي علاقة جدلية قديمة ظهرت مع الحضارة اليونانية ومستمرة الى يومنا هذا ، وفي الدين الإسلامي دائما ماينحصر الجدل ليس حول الأبعاد الفنية في الشكل والحوار فحسب ، ولكن حول المبدأ الأخلاقي الذي يتطلب حكماً دينياً وينحصر في مبدأ الإباحة والتحريم ، وهو أمر طبيعي تقتضيه شروط التقوى –إذا استبعدنا استعارة سياقات ثقافية خارجية للحكم على سلامة منهجنا- التي تدفع بالمخاوف والحذر للتصدي لكل ماتعتبره خطراً على سلامة التقوى . ومعالي الرئيس لم تغب عن ذهنه هذه الجدلية حين ينظر بأمر هذا العمل ، مع حضور صور عديدة لمشاهد درامية لأعمال جهازه تروى باستمرار في أخبار الصحف ،والمواقع الالكترونية ، والكثير منها ليس لصالح الصورة الإيجابية للهيئة ، التي لها حضور قوي في الأعمال الدرامية المحلية سواء كانت بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وجميعها تقدم صور الانعزالية للمجتمع ، ولوحات من مشاهد الغضب العنيف في مراقبة السلوك العام ، وإسقاط صفة الغباء في معالجة الأخطاء ، وتدعم مصداقية هذه المشاهد بعض التصرفات الفردية لعدد قليل من المتحمسين للنهي عن المنكر ،وجاءت الأعمال الدرامية كرصد انتقائي لفعل النهي عن المنكر ، بدون حضور درامي للأمر بالمعروف ، هذا المعنى الذي رسمته وسائل الإعلام والهيئة ، تجده محفوظاً في إطار من العبارات والأحكام المسبقة وعقد المؤتمرات ، وتقديم التقارير وعناوين الصحف ، كل هذه الأعمال جسدت صورة مضحكة لنشاط واهم ، يقال إنه يعكس حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال وضع الوهم محل التناقض ،وبكتابة تضع أعمال الهيئة فوق الدولة ، وفوق النار المشتعلة وفوق البيت المحترق وفوق الحقيقة وفوق حياتنا . إن استدعاء الصور النمطية عن هذا الجهاز في ذهن الجمهور ، هو كل عمل وسائل الإعلام سواء المحلية أو الأجنبية ، وأعطت تصرفات بعض القائمين على نشاط هذا الجهاز مبرراً لنقد الدين ، خاصة في وسائل الإعلام الأجنبية ، التي وجدت بهذه التصرفات موقفاً أكثر وضوحا من الماضي- يدعم نظرية حرب الأفكار- لترسيخ مفهوم التشكيك في فكرة أن أعمال الهيئة تخدم أغراض الدين المتعلقة بالبشر ، وهذا مبدأ في القيم الدرامية التي لها أثر كبير على الذين لم يمروا بتجربة محاكاة ، كما يقول ارسطو"أما إذا كان ما يحاكيه العمل الفني شيئاً لم يره المشاهد من قبل ، فالمتعة التي يحصل عليها في هذه الحالة ، لن يكون مصدرها المحاكاة بل الصنعة والألوان أو ماشابه ذلك" وكثير من القصص عن الهيئة التي نسمعها في الخارج يكون مصدرها هذه الصنعة التي تقدم إعلامياً بهدف الامتاع إذا فسرنا ذلك بحسن النية ، وتشويه صورة الإسلام إذا أخذنا في الاعتبار الآخر ، إننا اليوم كمجتمع مطالبون بتقديم قيمنا للآخر بالأشكال التي يفهمها وذلك على قاعدة ان الحقائق لا تكون حقائق خارج حدودها الوطنية ، ولعل الدراما أكثر هذه الأشكال إقناعاً ، وتقديم مؤسسة جدلية مثل الهيئة في أعمال درامية يكون أكثر تحدياً في الشكل والمضمون ، وأكثر إقناعا بالأمر بالمعروف ، وأبلغ حجة في النهي عن المنكر .