بعد فرحة عيد الفطر الماضي ابتلعنا بغصة تصريح معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الذي قرر أن لا نيّة لدى وزارته لتشجيع تقديم خدمات الاتصالات بالمجان. والأشد إيلاما أن معالي الوزير برر هذه النية الغريبة في عصر مجانية المعلومات خلال مؤتمر صحفي قال فيه "ليس في أجندتي البهرجة التي لا يوجد لها مبرر ولا ندرس تقديم خدمات بالمجان، لأن ما يقدم مجانا يساء استخدامه عادة". معالي الوزير يعلم أكثر من غيره حاجة غير القادرين في عصر المعرفة للمجانية وأنهم يعانون بلا كلام. وليت معالي الوزير بهذا التوجه منع مسيئي استخدام التقنية بل هم في تزايد والأهم هو حرمان المستفيدين بحرص معاليه على الأسعار التنافسية أكثر من "بهرجة" الخدمات المجانية. وما أن سلمنا امرنا لله متغافلين عن واقع أن الحق في الاتصال بات في أطروحات العالم المتقدم ضمن "حقوق الإنسان" الأساسية حتى قررت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أن تقف هي الأخرى في صف شركات الاتصالات العاملة في المملكة . وإلا كيف نفهم منع الهيئة لإحدى شركات الاتصالات من تقديم خدمة اتصال مجاني لمدة شهر ثم أعقبت ذلك بإصدار (فرمان) يقضي بمنع مجانية استقبال المكالمات أثناء التجوال الدولي حرصا من الهيئة الموقرة على ما يبدو على مصالح الشركات مع أن الرؤية المعلنة للهيئة تقول إنها "توفر خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات في جميع أنحاء المملكة بجودة عالية وبأسعار مناسبة" وحيث أن جمعيات حماية المستهلك لا نعلم أين مواقعها ولم نسمع عن مبادرتها والسادة أعضاء مجلس الشورى مشغولون عنا ووزارة الاتصالات تسبح مع التيار فليس لنا إلا الشكوى لله. حاولت خلال شهرين متتابعين منذ بدأت التصريحات والتراشقات بين شركات الاتصالات وما يتسرب عن هيئة الاتصالات أن أجد مبررا للزملاء في الهيئة فلم أجد إلا تأكيدهم أنهم حريصون على "المنافسة العادلة". والمنافسة العادلة تعني بشكل عملي أن تجتمع شركات الاتصالات الثلاث في ظلام الليل ويقرروا توزيع حصصهم من جيوب ملايين المشتركين كما فعل تجار الحديد ويفعل تجار الأرز ويمارس تجار الأسهم منذ سنوات. لا أعلم هل درست هيئة الاتصالات تكلفة القرار على مستوى الاقتصاد الوطني حين دفعت أكثر من 15 مليون مسافر سعودي لمباراة تبديل الشرائح في بلاد الله ليدعموا كل عملة حية أو ميتة نتيجة اجتهاد خاطئ ثم تأتي شركات المقاصة الدولية فتقتطع نصيبها ليعود الفتات لشركات الاتصالات السعودية بعد عناء. ومن جهة اقتصادية أخرى فمعروف أن مجانية الاستقبال تشجع التواصل الاجتماعي وبالتالي تستعيد الشركات الفاقد من تنشيط حركة الاتصال ودفع التواصل وتسهيل الأعمال .. للمقال بقية مسارات قال ومضى: إذا كان الكلام من (ألم) فعلى العاقل أن يسمع (القلم).