يعزُ علي أن اكتب راثياً ابني فهد فلذة كبدي وقطعة من جسدي.. ولكنه أمر الله الذي لا يقابل بغير التسليم وقضاؤه الذي ليس له عدة سوى الصبر الكريم لعلمي أن الله جل ثناؤه وتباركت أسماؤه إذا امتحن عبده فصبر آجره وعوضه بكرمه.. كما أنه إذا أنعم عليه فشكر زاده وضاعف له من نعمه.. فتمعنت النظر والتفكر ووفيت هذا الأمر حقه من التدبير رأيت لو أننا ولو تأخرت آجالنا وطالت آمالنا... لسنا في دار الإقامة فنحزن على من فارقها، إنما نحن في سبيل سفر ودار كدر.. يحق والله أن نغبط من رحل منها.. فأجملنا حالاً أسرعنا ارتحالاً فالجزع لا ينفع وإن أغضب الله سبحانه.. والصبر لا يضر وإن جلب رضوانه. لقد غادرت نار الأحزان بقلبي ناراً لمن كان واسع الذكاء طيب الأخلاق والأدب.. لذا فقد خلف المرحوم من الذكر الجميل ما سيخلد اسمه في صحف الأيام والأعوام فإلى الله مآبك يا ولدي إلى الله مآبك يا كبدي على الله مآبك أيها الزهر الذي قطفه الموت في أزكى شذاه إلى الله مآبك أيها الغصن الرطيب في صباه. في ذمة الله يا ولدي يا من كنت أملي وغاية قصدي.. أعددتك يا ولدي ذخراً وإذا بك مسلوب.. وظننتك لي وإذا بك للثرى. آه.. ثم آه.. لقد أتيت نقياً وذهبت نقياً.. ولقد أدهشني أنهم غسلوك وما غسلوك إلا بوابل دمعي الهتون.. وكفنوك وما كفنوك إلا بلفائف قلبي المحزون.. وشيعوك وما شيعوك إلا ببقية كبدي المتصدعة.. ثم أودعوك تحت أطباق الثرى وكان أحرى أن يضعوك بين حنايا أضلعي.. فواحسرتاه.. وواحر قلباه. جعل الله في إخوتك الخيار.. ولتعمر بهم الديار وألهمنا الله الصبر الجميل وعوضنا الأجر الجزيل وأمطر عليك سحائب رحمته وأسكنك فسيح جنته. *والدك المحزون