في قصائد وجد الشعراء وخاصة القديم، يلاحظ ختام الغالبية منها بالدعاء على العاذل ومن يلومهم ومن يقلل من معاناتهم أو من يقف في طريق حبهم وتعلقهم بالمحبوبة...الخ وقد يكون كثرة الدعوات غير مقصودة في حد ذاتها بقدر ما تكون أسلوباً لمزيد من تثبيت الحب والوله، وقد يفسر بأنه عجز في إيجاد الكلمات التي تقوم بإيصال المعنى كما يريد الشاعر. ولا يعني هذا، القدح في شاعرية الشاعر نفسه، ولكنه أسلوب سار عليه بعضهم، بالإضافة إلى معاناة وفيض إحساس وشعور لم يجد الشاعر العبارة المناسبة التي تترجمه، فيلجأ إلى الدعاء على من يلومه في حبه أو عشقه أو تعلقه أو ميله أو توجهه إلى وجهة معينة كحب حبيب أو ديار أو زمان أو مكان. يدعو بالعمى والموت والألم والسهر والمعاناة وشتى صنوف المشاكل من سجن أو كسر أو حادث أو فناء أو غيره، وهذه الدعوات يظن بأنها توصل المتلقي للإحساس بما في قلبه وأن شعوره سيصل كما هو أو قريبا منه كلما كانت الدعوة قاسية ومؤلمة، كطرفي معادلة توازن بين ذلك الإحساس ودعوته على الآخرين، فبقدر قسوة الدعوة على العاذل مثلا يكون الحب أكبر. والدعوات نوعان دعوات بالخير تأتي في المدح والرثاء والتعبير عن المناسبات الجميلة والفرح ودعوات بالهلاك والتحسر والويل والثبور، وهذه تأتي في مقابل ترجمة الشاعر لمعاناته هو. وهذا أسلوب اتبعه الشعراء لكي يثبتوا مدى تعلقهم بالمحبوب وليست مقصودة بالفعل وهي في العادة موجهة ضد مجهول ثم تبين صفاته أنه حسود أو عاذل أو واشٍ ...الخ على أن كثرتها لا تدل على تمكن قائلها، بقدر ما تدل على عدم القدرة على نقل الإحساس والشعور, و إيجاد صور معبرة لمعاني المعاناة والوجد يقول الشاعر : عديت في مرقبٍ والليل ممسيني بديار غرب ٍ لعل السيل ما جاها اضحك مع اللي ضحك والهم طاويني طية شنون العرب لا سربوا ماها وراك ما تزعجين الدمع ياعيني على هنوف جديد اللبس يزهاها هبت هبوب الشمال وبردها شيني ما تدفي النار لو حنا شعلناها ياشبه وضحى فتاة دلها زيني داجت على عقلة ٍ والورد ما جاها ياعل من شار بالفرقا عمى العيني مخباط صمعا جليل الفخذ يشظاها جعله حسير كسير وراكبه ديني واتلى حلاله خلوجٍ راح يطلاها يقصد ذهاب حلاله كله حتى الأخيرة منها ذلول جرباء وهو في حسرة ومصاب برصاصة ومكسور الفخذ. ويقول شاعر آخر: سرى الليل وافكاري من الشوق منجنّة وانا اضعف بشر لا نسنس الشوق لاحبابي عسى اللي حرمني منك ما يدخل الجنة والله يردك يا أول وآخر أحبابي ويقول الشاعر ابن عمار في ألفيته عند حرف الضاد: الضاد .. ضد حال بيني وبينه يقول هذا صانعن لا تبينه عسى العمى يلهيه بصبي عينه عساه ما يرقد من الليل ساعات ساعات منها ما يشوف الجدارا ولا يعزل الليل هو والنهارا عساه يوم الحشر يبعث حمارا ويحملونه حمل الأسراف سيّات أما الشاعر: محمد الشعلان فيقول في نهاية قصيدة له : معاد أرجى من الدنيا بداله عسى يهديه لى منشي السحايب علامة صاحبى وأوصاف حاله حديث الناس من بزر وشايب عسى من لامنى يفقد عياله يصاب بدوره ماله طبايب معد يفهم يمينه من شماله ودور اليوم يركز له نصايب وإذا كان الموقف أحيانا، كما هو عند ابن عمار، يحتمل جزءا من هذا الدعاء من خلال تقمص الشاعر لموقف الظلم واستشعاره وتصوير ضعفه مقابل الطرف الآخر إلا أنها تبدو فيه المبالغة كثيرا، في حين يقلل الشعراء من الدعاء لأنفسهم بتسهيل أمورهم أو حل مشكلتهم. كما أنه دعاء في بعض القصائد لا مبرر له وكأن الشاعر يخضع لسلطة أسلوب مفروض عليه وأنه يتقيد به ليس استمتاعا ولكن مجاراة لشعراء عصره حتى تقولب الجميع داخله. وكأن الوضع العام يقول للشاعر: أنت تحب أكثر فعليك بالدعاء أكثر وبقسوة، وهذا يعني بلا شك أن الشاعر يريد إثبات المزيد المعاناة و إشعار المتلقي للقصيدة عن مدى تعمق المحبة وتعلقه بالمحبوبة فيستنفد كل المعاني أو ربما لم يجد العبارات الكافية التي تفي بالغرض، ثم إنه يجد في تلك الدعوات اختصار المسافة نحو الوصول إلى قناعة المتلقي بموقفه، وهذا الاختصار أو اختزال كل شعور الألم في كيل الدعوات تعود عليه عليه شعراء في القديم والحديث فكانت في قصائدهم النهاية المؤلمة التي هي الدعاء بالثبور وعظائم الأمور وكل ما هو عاجل من مصيبة وشرور. وهو ليس ارتقاء بالعطاء الشعري بقدر ما يكون نمطية لا تحمل صورا جمالية لا فنية ولا لغوية أو تصويرية.