تناقلت عدد من المواقع الالكترونية خلال الأيام القليلة الماضية، خبرا مفاده اعتزام شركة البحث الشهيرة جوجل أو (العم) جوجل كما يحلو لكثير من البيوتات تسميته على إصدار خدمة جديدة مختصة باللغة العربية تتمثل بالإعراب الضمني للنصوص المكتوبة أي ضبطها بالشكل (الحركات الإعرابية) لتنضم لقائمة الخدمات التي تقدمها هذه الشركة على مستوى البحث والترجمة وأخيرا الإعراب، وبغض النظر عن مدى صحة هذا الخبر من افتراضه، لاقى هذا الأمر ردود فعل متباينة بين مؤيدٍ له وآخر رافض أما الأول فكانت حجته الخروج من مأزق المراجعة البشرية وإعمال الذاكرة المعرفية بشكل مستمر طالما خرجت اللغة عن سجية الكلام في مجتمعاتنا العربية والاتكاء على التقنية الصرفة حتى في ألسنتنا حينما يمكن لواحد منا أن يقوم بالضبط الإعرابي للكلام نيابة عنا جميعا عن طريق برنامج حاسوبي تكفل به العم جوجل .. أما الآخر فهو رافض بحجة التكاسل والتقاعس المفرط عن تحصيل علوم اللغة (إعرابيا) لاسيما واللغة العربية تكاد تكون الوحيدة بين لغات العالم التي يتحكم فيها الإعراب بالمعنى بصورة كبيرة فضلا عن قدسيتها على اعتبار أنها لغة القرآن آخر الكتب السماوية، والحقيقة أنني مع المؤيدين مطلقا لهذا المشروع الخدماتي الخاص بمستخدمي اللغة العربية على الشبكة لا لأشجع على التقاعس والتكاسل والتخاذل عن تعلم علوم النحو، ولا لأقلل من أهمية اللغة العربية كلغة مقدسة، ولكن ليقينٍ مني أن المبالغة في تقعيد اللغة كانت أكبر العوائق التي واجهت عملية تعلمها فضلا من أن عملية التقعيد هذه إنما اهتم بها دائما أقوام مسلمون من غير العرب لتشكّل لهم بالتالي معرفة مكتسبة لاسجية كلامية تنمو بنموّهم، ولهذا كانوا يستقون قواعدهم النحوية من البادية حيث الأعراب الذين لم تخالطهم العجمة في ألسنتهم كما تناقلت لنا هذا كتب التاريخ، وبالتالي فإن شيوع مثل هذا المشروع سيفرض علينا بصورة أو بأخرى القراءة النحوية السليمة للنصوص المكتوبة واعتياد الألسنة على الضبط الإعرابي نتيجة السجية القرائية والمحاكاة اللسانية، وهي الظاهرة الاجتماعية التي تميز بها الجيل السابق منا على مستوى تعليم اللغة العربية، حينما كثف عملية القراءة النحوية مقابل المعرفة النحوية وبالتالي بدأ دائما قليل اللحن في كلامه وكتابته حتى وإن لم يدرك المواقع الإعرابية للمفردات في جمله التي يكتبها أو يقولها، والطريف في الأمر أنني جرّبتُ المحاكاة في الكلام مع (صغيري) محمد حين افترضت معه يوما في الأسبوع لانتحدث فيه معا إلا بالفصحى، وشهدت هذه التجربة تطوّرا مذهلا في لسانه على مستوى الإعراب دون إدراك للقاعدة النحوية التي يستوجبها الكلام.. وعليه فإن أمر إطلاق هذه الخدمة الالكترونية من قبل (العم جوجل) ستقوّم كثيرا من ألسنتنا المعوجّة على مستوى الإعراب عن طريق محاكاة المكتوب، وليس علينا حينها كفئة ثالثة جاءت بعد التأييد، إلا أن نتحاضَّ على استخدام هذه التقنية في كل أطروحاتنا الفصحوية على الشبكة حين تشكل الشبكة الالكترونية في هذا العصر أكثر من سبعين في المائة من المقروء في بيوتنا ...