..زيارة مدينة الدمام لإلقاء محاضرة بعنوان "الكمنجة الحائرة : حركات التجديد في الأغنية الخليجية" في نادي الشرقية الأدبي كانت فرصة لزيارة مؤجلة منذ سنوات لجزيرة تاروت وسنابس ودارين أخذني إليهما صديقي الشاعر والمصور الفوتوغرافي محمد الضامن. ..بهجة الروح كما يراها الصديق عبدالله السفر عندما حدثته أنني تلقيت من بحر يستضيف تلك اللؤلؤات الثلاث عن خبر أناس حفروا وكتبوا تاريخاً نطق بسيرة البحر والطير. ..وحفظت عين المصور الصديق بعض لحظات انطلقت في فضاء الفيس بوك وبقيت في ذهني تلك الصور. الأمكنة والأزقة والمقاهي الشعبية والمجنون السائر وقلعة تاروت والمزارع الخاوية وآثار الدوخلة. الأطفال بين كرة يلعبون وبين قفص يجمع الأطيار. ..صوت عبد اللطيف تسرب من صدفة متعبة على السيف. ..بعد سبع عشرة سنة من الآن سوف يمر قرن كامل على أول تسجيل لأحد فنون الجزيرة والخليج العربي، وهو تسجيل عبد اللطيف الكويتي عام 1927،ولا يمكن أن تقف فنون الأداء من شعر ولحن وإيقاع وغناء ورقص عن التطور والتجاوب المرحلي في كل فترة خلال ذلك القرن المنصرم. ..وتعنى هذه المحاضرة بحركات التجديد في الأغنية الخليجية على مدار ذلك القرن تبعاً لمتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وإيديولوجية أسهمت في تطور الغناء من صور الأداء الجماعي والحالة الشفوية،ونشوء الأغنية في قوالبها وأشكالها وأنماطها،وتحولات وسائل التسجيل وتعددها،وما وصلت إليه حالة ما بعد الأغنية. ..ويمكن أن نضع في الاعتبار أبرز القضايا المعرفية الإشكالية التي يمكن أن تثار حول موضوع المحاضرة،أو ما يمكن أن يكون تمهيداً لحركات التجديد في حالة الغناء،ونقصد حالة الغناء المرتبطة بشكل مباشر بمجتمعات الجزيرة والخليج العربي،فمن تلك الإشكاليات المعرفية: 1-تدوين وأرشفة الفنون الغنائية. 2-اصطلاح الأغنية الخليجية. 3-النقد الفني:المفهوم والتقنية. ..ونشير هنا إلى ما يخص تدوين وأرشفة الفنون الغنائية،وهو المتمثل في كتابة النصوص الشعرية،وتسمية السلم الموسيقي(أو المقام كما هو دارج)والميزان الإيقاعي(أو الإيقاع)،وتنويت(أو تنقيط)الألحان، ومعرفة الآلات الوترية والنفخية والآلات الإيقاعية المستخدمة فيها ووصف طرق الأداء،ونوعية الأصوات من نسائية ورجالية،ومن جماعية وفردية. ..وأما ما يخص اصطلاح الأغنية الخليجية الذي بدا يتداول شفوياً حتى تكريسه من بعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي إلا أن الجزيرة العربية تحتوي على مدارس مختلفة بين فنونها الأدائية تدعو إلى استقلالها عن بعضها،ولكن مجمل التغيرات الاقتصادية والسياسية أسهمت في سك هذا المصطلح وتداوله بشكل كبير. ..وأما يخص النقد الموسيقي،فهو يلتبس بين الشرح المدرسي والأكاديمي للغناء والموسيقى والرقص مقابل الكتابات الصحفية الانطباعية التي لا تخلو من الأحكام القطعية والحماسية بينما يغيب عن الاثنين الطابع التحليلي والتأويلي وهو ما سنتحدث عنه لاحقاً.