"الألم في اتجاهٍ معاكس" عنوان فضل الشاعر محمد الحمادي اختياره لمجموعته الشعرية الجديدة المطبوعة قبل أيام عدة من قبل نادي المنطقة الشرقية الأدبي، والديوان الذي يأتي بعد دواوين عدة للشاعر الشاب حوى 20 قصيدة تنوعت بين الوطني والرومانسي. ورغم تمكن الشاعر من التحليق وفقا للمدرسة الكلاسيكية التي تعتمد على "رؤى مخيالية" ذات بعد واحد، كقوله في قصيدة "على فوهة الجنون": " على السُّلم ِ المجنونِ عانقني الحبُ"، إلا أن الحمادي الذي استطاع توظيف الرومانسية في شكل مكثف حاول الخروج على النمط الكلاسيكي، ولو على استحياء في بعض قصائد التفعيلة التي ضمتها أوراق الديوان، ومع وجود كل تلك المحاولات، إلا أن الديوان جاء معززا للنمط الشعري المعتاد للحمادي، إذ لم يسجل قفزة في خطه الشعري العام. يقول في قصيدة "بوابة أولى": "عبثٌ تخطى كل شيء ٍ فيكِ وارتعش َ المساءُ على صهيل ٍمن جنون ْ". هنا حاول شاعرنا أن يخطو خطوات تتجاوز تجربته السابقة، بيد أنه سرعان ما يعود للنمط التقليدي في بقية النصوص العمودية. إن المتأمل نص " بوابة أولى" يجد كلمة "العبث" التي أجاد الشاعر الدخول بها لجو النص، تاركا مساحة من التحرك في ذهن المتلقي، كما أنه استطاع ترك مساحة أخرى ل"المحبوبة"، وتشاهد الشاعرية بكثافة في المقطع في "وارتعش َ المساءُ على صهيل ٍمن جنونْ"، إذ بدا الحمادي يبتعد ولو في شكل حذر عن كلاسيكيته المعهودة في نصوصه. وليس بعيدا عن "الصور الشعرية المقولبة" في نمط رومانسي جذاب، نجد أن الشاعر يتميز بتجربة كبيرة فيما خص التمكن من الوزن العروضي، كما أنه تمكن من إجادة "الحب" وإقناع المتلقي به، إذ إن صوره ذات البعد الكلاسيكي ما تزال قادرة على الوصول للجمهور الذي عرف الحمادي في المنطقة الشرقية، وفي الشبكة العنكبوتية، وعلى رغم كل تلك النجاحات، إلا أن المعيب الذي قد يؤخذ على الشاعر يكمن في تكرار نفس النمط الشعري القديم، وعدم القدرة على الخروج منه، ولعل قصيدة "الخط الأحمر" تؤكد ما نتجه له، إذ كتبت بطريقة كلاسيكية خلت من العلاقات اللغوية المدهشة التي تستوقف الشخص، فجاء مطلعها كلاسيكيا معتادا، يقول: "أتنفسُ التاريخ بينَ جوانحي/ ويقلبُ الأوراق نبضَ فؤادي/ وأطاردُ الأحداث حيثُ وجدتها/ وأراقصُ الصفحات في إنشادي". وعلى رغم انسياق ضمائر المتكلم "الفاعل"، ك"أتنفسُ، أطاردُ، أراقصُ" التي وردت في البيتين، إلا أن خطأ مطبعيا (على ما يبدو) جعل المعنى شاذا في عجز البيت الأول حين يقول "يقلبُ الأوراق نبضَ فؤادي"، خاصة أنه جعل كلمة (نبضَ) مفتوحة، بدلا من ضمها، وهو العمل الطبيعي الذي يجعل المعنى مستقيما. وتعزيزا لرؤية الحمادي الشعرية تأتي قصيدة "وردة إلى أمي" التي اتجه فيها الشاعر للأسلوب الكلاسيكي بكل تجلياته القديمة، خاصة أنه ابتعد فيها عن الخيال والتراكيب الجمالية التي يمكن أن تستوقف القارئ بأي شكل من الأشكال، يقول في مطلعها: " أمي وجدتكِ في الحياةِ غرامي/أصبحتُ أمشي والجلالُ أمامي/ يا أجملَ الكلمات يا قيثارتي/ يا نبضَ قلبي، يا عميق هُيامي". يشار إلى أن الديوان الذي تبناه النادي الأدبي في المنطقة الشرقية مراجعة وتدقيقا وطباعة يقع في 101 صفحة من الحجم الوسط.