من آليات الوظيفة الإعلامية المرئية أن تحضر الإعلانات.. فكيف لا تكون هذه الإعلانات عبئاً على المتلقي؟ وكيف للمتلقي أن يكشف أهداف الإعلانات؟ الإعلام وسيلة خطيرة في كل الحالات، وهي أخطر حين يساء استخدامها لا سيما إذا كان هذا الاستخدام مبطّناً، يخفي الكثير من التشوهات والعاهات المتسمة بفاعلية تتصف بالتأثير على المدى التراكمي.. فتكرار الإعلان (المغرض بكسر الراء) أو (الملغوم) يؤدي إلى عملية غسل للدماغ، أو تنويم مغناطيسي من نوع جديد معاصر. ألا يؤدي الإعلان وبشكل أسرع من وسائل الاتصال الأخرى لا سيما المقروءة إلى عملية تفريغ و إملاء ؟ تفريغ الدماغ البشري وحشوه بما يريده الإعلان معتبرين أننا نتمتع بأكبر نسبة من الأمية والجهل والتخلف والخرافات ؟ وأننا لم نعتد بعد على تفعيل عقولنا لننتقد ما يصل إلينا؟ ولم نكتسب ما يكفي من العلم والمعرفة ما يؤهلنا للتمييز بين الطيب والخبيث؟ من الدهاء أن يتمظهر الإعلان بخالص الحضور النبيل وهو يطوي أخبث النوايا وأسوأها..! ماذا أعني ؟ سأمثّل لذلك باختصار : إعلان عن منظف غسيل يدفع الأطفال إلى توسيخ ثيابهم !! إعلان يعلم الفرد كيف يكون أنانياً أكثر (....) لواحد وليس لاثنين !! إعلان عن خدمة هاتفية لإحدى الفضائيات لا يهمها سوى الموت والحروب والشظايا تضيف للفرد أنانية أخرى بحيث يكون المشترك في الخدمة جالساً قرب صديقه على كرسي واحد، فيتلقى خبر غارة جوية، فينهض مسرعاً دون أن يخبر صديقه الذي تقصفه قنبلة بعد ذلك !!! إعلان عن صابون يعلّم التفكك الأسري بامتياز فيجعل الطفلة ترفض العودة من المدرسة مع أبيها بسبب رائحة جسمه !!! إعلان يسيء استخدام الأطفال حتى الرضيع منهم يعلّمهم أن التعري حالة طبيعية جداً !!! و إعلان آخر عن عصير يجعل الطفلة تصاب بحالة هيستيريّة إذا لم تجده في منزلها فيقف أبوها يتأملها تسقط على الأرض مدهوشاً دون أن ينبهها تربوياً وأدبياً إلى صراخها، وحين يغمى عليها يا لطيف نرى الأب أصمَّ أبكمَ لا حول له و لا قوة .. ! ولنا أن نطمئن على (الشعر بكسر الشين) إلى الأبد حين يظهر إعلان بهيئة قاعة مدرسية أو جامعية، و المدرّسة تسأل عن خصائص (الشعر) وهي تفتح الشين تاركة لصورة الإعلان أن تكسر الشين ، لتقفز إحدى الصبايا مع صديقتها وتحزم شعر بفتح الشين إحدى الطالبات، وتجيب الأصوات : شامبو كذا ، يحافظ على نعومة الشعر و.. الخ .. !!! و لم تخلُ برامج الأطفال من إعلانات عن العلكة والبسكويت والشوكولا كما لم يخلُ مسلسل من إعلان عن الطعام أو التنظيف أو الثياب. أمّا المشروب الغازي الذي يصول ويجول مع أي برنامج ويتبنى العديد منها كما يتبنى العديد من المؤديات الاستعراضيات الذين جننوا الأمة العربية بأجسامهم وعمليات تجميلهم فحدث ولا حرج عن كيفية دسه للسم في الدسم مستغلاً نقص الوعي الاجتماعي. من يتابع مسلسلات الإعلانات يحسدنا على (بطرنا) متسائلا ً : أليس لهذه الأمة من همّ وغمّ ؟ ! ألا يوجد لديها أي نشاط ثقافي أو فني كي تعلن عنه ؟ أليس لديها كتب و كتّاب ؟ ولماذا لا تقلل من هذا الطغيان الإعلاني الاستهلاكي المخرب غالباً، لتلتفت إلى الإعلان الراقي والمفيد، ولتنتبه إلى ضرورة الإعلان عن قصص وأشعار للأطفال بدل العلكة، ولتعلن عن كتاب أو مجلة أو نشاط إنساني مهم يستفيد منه الكبار ليعرفوا كيف يعكسوه على الصغار؟ أما آن للفضائيات أن تغير من روتينها وعاداتها السيئة؟