من الأمور المتعارف عليها على مستوى الرواية العالمية تشكيل ما يمكن أن نطلق عليه مسمى (سكرتارية العمل) ونعني به فريقا يختاره الروائي بعناية ليقوم بالبحث والتجميع لكل الهوامش المتعلقة ب.. (رؤيا الحكاية) التي تقوم عليها الرواية، وبعد أن تجتمع لدى الروائي المادة الخام يتفرغ لصياغة الرؤيا داخل هذا النسيج المعلوماتي أو الحكاياتي مع أهمية التخييل قبله وبعده ومن خلاله، هذا على المستوى الاستقراطي لدى الروائيين العالميين أو النموذج الأول لهم، أما على المستوى العام فيقوم الروائي ذاته بتجميع كل تلك المقوّمات السردية التي تتخلّق فيها الأحداث والمشاهد قبل الشروع في صياغة العمل، وهو النموذج الأكثر والأعم في العالم، ولا سيما العالم العربي.. ما يعنينا من ذلك كله أهمية الجهد البحثي في الرواية كأحد الأركان الأساسية التي لا يكتمل العمل الناضج على مستوى التجريب إلا بها، ولهذا يبحث القارئ دائما عن بطل الظل في أي عمل روائي يتماس مع اليومي أو التاريخي أو الاجتماعي، والحقيقة اننا لا يمكن أن نتجاهل وجوده في ذهن الروائي كباعث حقيقي للرؤيا، وأنا إذْ أثرثرُ في كل هذا إنما أحاول التعليق بهدوء على ما يردّده الأصدقاء وما تداولته بعض الصحف خلال الأيام الماضية من أن روايتي الموسومة ب (الشيوعي الأخير) التي صدرت عن دار الانتشار العربي قبل أيام، وحضرت أول مرة من خلال معرض الرياض الدولي للكتاب إنما استهدفت سيرة الكاتب صالح المنصور، تلك الشخصية المعروفة كثيرا لدى جل المثقفين في المملكة لخصوصيتها وإثارتها وتاريخها المليء بالمتناقضات والأسرار، والحقيقة انني كنت قد تحدّثت مع بعض الأصدقاء عن تلك الشخصية ك (كاركتر) مثير ومستفز لكتابة رواية ولا أعتقد أنني كنتُ وحدي من يهجس بهذا، وإن لم يصرّح به غيري، لكنني حتما لم أكن أو غيري لنقع في ورطة كتابة السيرة الذاتية لها، لأنَّ أيا منا حينها كان سيقع بين سندان الأخلاق والمسؤولية وسوء الاستغلال، ومطرقة المساحة الشاسعة للعمل الإبداعي الذي يحتمل ويتحمّل كل الإسقاطات الرؤيوية ويوظف لها الأحداث والشخوص والتاريخ، لكنَّ صالح المنصور نفسه كان أول المفتونين بهذا الظن وأول معتنقيه، بل بلغ به الأمر إلى أن يجلس في الدار أثناء أيام المعرض ويهدي زواره نسخا ويطالب بالتوقيع عليها على الرغم أنه الأعلم من أنني لم أتواصل معه أو أستقي منه أو عنه أي معلومة خاصة برغم إشارة بعض الأصدقاء لي بذلك، بل وصل به الأمر في أوله إلى توريطه (بخبث صحفي) في تعليق على الرواية يصفها من خلاله ب (العمل غير الأخلاقي)، وذلك قبل أن يتراجع وينتشي بها ويتداول حضوره فيها كما يتوهم، ويحاول ملاحقتي بعواطف متنوعة من أجل الاعتراف بوهم سيرته فيها.. والحقيقة أن صالح المنصور ليس إلا لوحة غلاف لسيرة افتراضية متخيلة، كان الناقد الدكتور معجب الزهراني قد عزّز ثقتي في نسجها، حينما هاتفته أول الرؤيا طالبا منه العونَ في الوصول إلى مراجع وثائقية أو حتى شخصية تتعلق بحقبة زمنية معينة كنتُ قد ساءلته عنها، حيث أشار لي بترك كل هذا بسبب عدم وضوح الرؤيا التاريخية أو حتى منطقيتها لتلك الحقبة، والتفكير في أعمال الخيال (الشعري كما قال) في صياغتها ونسيجها، ولم أكن أحتاج حينها أكثر من تعزيز مؤثّر من ناقدٍ أثق كثيرا بقدراته الإبداعية ومصداقيته الدائمة، على الرغم من أنني حينها تواصلت مع مهتمين آخرين كان من أهمهم النبيل دائما الأستاذ محمد القشعمي الذي أخذني لاثنينية (عبد الكريم الجهيمان) ومن هناك عدتُ بكثير مما احتجته في العمل، ومهما كان الأمر فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن أغفل مدى التأثير التسويقي لكل هذا في رواج العمل وشيوعه بين الناس ووجوده ضمن قائمة الأكثر مبيعا في المعرض على مدى أيامه، ولعله إعلان مجاني مؤثر لم يكن لولا هاجس البطل الحقيقي في الرواية.