لأن التطوير الفردي محفوف بالمخاطر قبل البناء وخلاله وعقبه.. فإن أي تغير يطرأ على مكونات هذه العملية سيؤثر عليها؛ أن كان سلبا أو إيجاباً.. المشهد الجديد لتداعيات إحد مكونات العملية تفاعل كثيراً وسريعاً خلال الأسبوع المنصرم.. (تعطيش السوق).. موضوع تبنته (الرياض الاقتصادي) قبل أسابيع ليخرج أحد مسئولي وزارة التجارة: «أننا نراقب السوق».. لست في موقع تكرار الحديث.. ببساطة أي شخص منا يستطيع أن يعرف؛ ولن يكلفه الأمر سوى رفع سماعة وطلب أي كمية من حديد التسليح من احد الموردين.. ليستمع وأن شئت يكتشف واقع (المراقبة) أقصد السوق. أفضل وسيلة لحل المشكلة.. ألا تقع المشكلة أساسا.. من الذي حول حق التملك لكل منا إلى تجارة يشترك ويتشارك فيها أطراف مختلفة.. يراوح هدفها بين الاستغلال والربح.. ذاك هو واقع الحال في سوق الإسكان الذي تحول مرتعا لكل رابح ومستغل.. التطوير الفردي حول الطلب على منتجات البناء إلى إطراف متعددة؛ تنتهي أحياناً بأيدي العمالة التي تدير هذا العمل.. فأصبحت الجنسية.. تدير قطاع الرخام والبلاط.؛ والجنسية.. تدير نشاط مواد السباكة وأخرى الكهرباء.. يقول لي احد الأصدقاء أن كهربائي من جنسية آسيوية يدير شبكة من اقرانه في نفس المجال.. يحقق ربحا شهريا يفوق 250 ألف ريال. ليس حسداً.. لكن (تفكيك) التوطين الإسكاني بين الأفراد افرز كل ما نراه؛ وما نسمعه.. وما لا نعلمه. تواترت ردود الأفعال حول ارتفاع أسعار الحديد تأخذ الطابع الخاص من حيث تأثيره الكبير على المشاريع العقارية المستقبلية، الأمر الذي سيكبد خسائر كبيرة، إذ إنه ينحي عددا من الشركات عن الأعمال التي لا تحقق مكاسب في المقاولات، والذين كانوا يضعون تكلفة أسعار لعمليات البناء لأي مشروع أو سكن خاص على الأسعار القديمة قبل ارتفاعها، ونتج عن هذا الارتفاع أن كثيرا منهم طالب الجهات المختصة، وخصوصاً وزارة التجارة والصناعة، بضرورة التدخل السريع لحل هذه المشكلات التي أصبحت تؤرق كثيرا من كبار أصحاب المقاولات. وعزا بعضهم ارتفاع أسعار الحديد بسبب زيادة الطلب عليه، الذي يعد أيضاً من أهم المعوقات التي تواجه المقاولين والمطورين العقاريين في إنشاء المزيد من الوحدات السكنية والتجارية والمباني. حل هذه المشكلة صعب بل يزداد صعوبة ويخلط الأمور ويخرجها من نصابها، ويجعلها أكثر ضبابية، حيث إن الزيادة في سعر الحديد معناها أن يقابلها نقص حاد في المنتج السكني، خصوصاً أن التجارب والمؤشرات التي اتخذتها وتتخذها وزارة التجارة لم تكن ذات جدوى على المدى البعيد. أحد عناصر المشكلة الأساسية الطلب الفردي أو طلب المؤسسات الصغيرة على مواد البناء بصفة عامة، وعلى الحديد بصفة خاصة، فبائعو الحديد يتعاملون مثلاً مع 1000 شخص بسعر "التجزئة" بالطبع... هنا يختلف الوضع حينما يتعامل مع شركة كبيرة لديها على الأقل 1000 وحدة سكنية، فإن حالات البيع هنا تختلف ويكون البيع ب "الجملة" وتتم هنا عملية جدولة البيع وطريقة الدفع ويكون بالفعل أقل سعراً وأكثر حرفية في التعامل، مما ينعكس على الأسعار والتشطيب من خلال شركة متمرسة، ولديها عمالة ماهرة متخصصة، ولها سمعتها في السوق، بعكس العمل الفردي الذي يدعم الزيادة في الأسعار، وعدم الدقة في العمل؛ لعدم توافر الخبرة الكافية. فلابد من معالجة لمشكلة التمويل، ودعم المطورين، والشركات الكبيرة، عبر اتفاقيات وتقديم تسهيلات بهدف تخفيف العبء عن المواطن؛ لتحقيق الهدف وهو امتلاك مسكن يرضي ذوقه وبأقل كلفة. ويضع بعض العقاريين الحلول لمواجهة هذه المشكلة تتمثل في إيجاد تسعيرة جديدة توضع للمشاريع الجديدة للأعمال التي لم يتم التعاقد عليها بحيث يتم وضع أسعار تكون قابلة لأي تغير، من دون إحداث أي خسائر، فيما رأى مستثمرون أن الارتفاع الحاصل في أسعار الحديد ليس ارتفاعا محليا وإنما ارتفاع عالمي. وذكروا أن نتائج ارتفاع أو انخفاض الأسعار العالمية لا تظهر في الوضع الطبيعي على السوق المحلية قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الانخفاض أو الارتفاع، وذلك لتأخر وصول الشحنات التجارية من الأسواق العالمية للحديد، بسبب إجراءات الشحن والتصدير والمدة التي تستغرقها تلك الشحنات في النقل من البلد المنتج، فضلاً عن الكميات الموجودة في المخازن والسعر الذي اشتريت به، إلا أن الحاصل لدينا هو التأثر المباشر ورفع الأسعار. وتعتمد السوق السعودية في وارداتها من خام الحديد على السوق البرازيلية في مجال كريات الحديد، التي تعد المدخل الرئيسي في منتجات شركة «حديد»، وعلى كتل الحديد الجاهزة، التي يتم استيرادها من السوق التركية، علماً بأن الإنتاج المحلي بالنسبة للإنتاج العالمي لا يتجاوز الثلاثة في المائة من الإنتاج الكلي البالغ 300 مليون طن سنويا، ولذلك لا تأثير حقيقيا للسوق السعودية على الأسواق العالمية، وليس لها مقومات صناعة الحديد الحقيقية، ماعدا في شركة "سابك". وتعتمد المملكة النظام الاقتصادي الحر في تعاملاتها التجارية، مما فتح أسواقها للموردين في جميع القطاعات، وهذه بلا شك أفرزت منافسة أصبحت المحرك الرئيس لاقتصاد المملكة، والعلاقة بين شركات قطاع مواد البناء هي علاقة تنافسية وتكاملية، بحكم تعدد الشركات، وضخامة القطاع العقاري، فالشركات الكبيرة العاملة في هذا القطاع لديها خبرات طويلة وغنية، تمكنها من إدارة العلاقة التنافسية بشكل ناضج، وتتناغم فيما بينها بتقديم أفضل المنتجات، وبأنسب الأسعار، وبما يخدم في النهاية المستهلك النهائي، وغالبية الشركات تتعامل وتتعاون بعضها مع بعض تجارياً، حسب ما تفرضه معطيات السوق التي تحكمها تفاعلات عوامل العرض والطلب بشكل مطلق. وحمّل مستثمرون ارتفاع أسعار مواد البناء لحالة الترقب والركود لحركة السوق العقارية، وحددوا الارتفاعات المتواصلة لحديد التسليح، والسيراميك، والطوب الاحمر، كأسباب رئيسية وراء تراجع حركة البناء والاستثمار في التطوير العقاري. وتوقع هؤلاء المستثمرون زيادة جيدة مع ازدهار الاقتصاد السعودي الحالي خصوصا من ناحية العقار، مع اتجاه اغلب شركات التطوير العقاري إلى إنشاء الأبراج العالية، مشيرين إلى دعم الدولة لمشاريع الخدمات المقدمة للمخططات من رصف وإنارة وأرصفة وصرف صحي التي تسهل من عمليات التطوير العقاري. ويطالب بعضهم بإيجاد ميثاق شرف بين منتجي الحديد وشركة «حديد»، التي تستحوذ على 50% من إنتاج السعودية، ويهدف هذا الميثاق إلى تحديد الأسعار، وعدم التلاعب بها، وطالبوا شركة «حديد» بوضع حد لارتفاع الأسعار وتثبيتها لفترة عند هذا الحد، إلى أن يقوموا بعملية مراجعة شاملة للكلفة والأرباح، وبخاصة بعد قرار وقف تصدير الحديد والحديد الخردة. ويعتقد هؤلاء بأن قيام شركة بحجم «سابك» بخفض الأسعار سيؤثر بكل تأكيد في الأسعار في السوق، كما أن قيامها باستيراد كميات تستوعبها السوق المحلية وبيعها بأسعار الكلفة سيدعم من مكانتها كعملاق صناعي له دوره في حفظ استقرار الأسعار في البلاد واستمرار النمو. وتحتاج المملكة إلى بناء مليون وحدة سكنية جديدة بحلول العام 2014، لسد احتياجات سكانها في ظل التزايد المطرد في أعدادهم، وتوقع انخفاض أسعار العقارات قصير الأجل؛ بسبب الأزمة الائتمانية العالمية. ويقود الطلب على الإسكان في السعودية نمو قوي في عدد السكان وتزايد الطلب من فئة الشباب، فيما يوفر العجز في قطاع العقارات في أكبر اقتصاد في منطقة الخليج العربية فرصاً لمؤسسات البناء في إمارة دبي، التي تتطلع للعمل في المملكة لتعزيز أنشطتها، بعدما بدأت فرص الأعمال تقل في أسواقها الداخلية. ولا يزال السوق العقاري في السعودية متمسكاً بارتفاعه، على الرغم من الركود الاقتصادي الذي يلازم مختلف القطاعات، وقد بدأ كثير من المستثمرين السعوديين - خصوصاً الصغار منهم - في توجيه استثماراتهم لشراء مبان تجارية، أو استثمارية، في جميع مناطق المملكة. يذكر أنه ارتفع عدد تراخيص المباني السكنية والتجارية للقطاعين العام والخاص في المملكة العربية السعودية بنسبة 213.6 في المائة، التي تم استخراجها للبدء في عملية البناء خلال الربع الأول من 2009. وتوقعت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" (البنك المركزي) تراجع زخم ارتفاع الإيجارات السكنية نتيجة للتوسع في إنشاء المباني السكنية من قبل القطاعين الحكومي والخاص. كما توقع التقرير انخفاض كلفة البناء نتيجة لانخفاض مدخلاته كالحديد، والأسمنت، اللذين سجلت أسعارهما تراجعا ملحوظاً خلال الفترة الماضية. وتشهد السعودية خلال الفترة الحالية تراجعاً في مؤشرات الضغوط التضخمية خلال الفترة الحالية، وهو ما تسبب في ضغوط على ملاك العقارات لخفض أسعار الإيجارات، التي يتوقع أن تبدأ في الربع الأول من العام المقبل. وكانت الحكومة السعودية أعلنت كبح جماح التضخم الذي يعد أكثر التحديات الاقتصادية صعوبة خلال الفترة الماضية، ما يؤكد أن الضغوط على الأسعار بشكل عام تعود إلى التصحيح، خصوصاً أن ارتفاع الإيجارات يعد احد أسباب ارتفاع التضخم، وتراجعها يمثل مؤشرا لتراجع الأسعار في جميع المدن السعودية.