الملياردير الأسترالي الأمريكي روبرت مردوخ المولود عام 1931م، والذي يحتل المرتبة 131 على قائمة أغنى 400 ثري في العالم لم يعد غريبا على البيت الإعلامي العربي فهو الآن من أهل الدار في عصر عولمة الهوية والقيم والمحتوى الإعلامي إذ استحوذ سعادته على أكثر من 9% من مجموعة روتانا الإعلامية العربية وقد تصل نسبة الاستحواذ إلى أكثر من 18% قريبا. ولوج إلى المشاهد العربي من أوسع البوابات الإعلامية التي تخاطب العقول الشابة؛ ذلك ما أكده نجله جيمس عندما قال بأن: "المشاركة في روتانا توسع حضورنا في منطقة يشكل الشباب نسبة كبيرة من سكانها". وعطفا عليه، فيبدو أنه لابد من الترحيب بصديق إسرائيل الكبير، وإمبراطور الإعلام المثير الذي لم يسئ إعلام في الدنيا على نحو ممنهج ومقصود للسعوديين وللعرب والمسلمين كما فعل إعلامه. والترحيب بالسيد مردوخ يعد من باب سد الذرائع لأن من لا يرحب سيعتبر إما رجعيا، أومتطرفا، أومعاديا للسامية وربما إرهابيا، وبما أنني لا أريد أن أكون واحدا ممن سبق فلابد أن أرحب أجمل الترحيب بالمذكور. ويملك روبرت مردوخ عدة صحف يمينية التوجه مثل النيويورك بوست الاميركية والتايمز والصن الإنجليزيتين، ويسيطر على شبكة فوكس نيوز المتطرفة وينزع الرجل نحو إسرائيل موالاة ودعما. ويقال إن ابن العم استحوذ على محطة "تي. جي. آر. تي" التلفزيونية التركية، وهو في طريقه إلى إبرام عدة صفقات إعلامية في بلد الخلافة العثمانية من أجل التصدي للشعور المعادي لإسرائيل وأمريكا "بعد تراجع صورة الحليفين في الشارع التركي"، فالرجل يريد التطبيع مع العقل والوجدان الشرقيين عبر الإعلام الناطق بلغاتنا الأم بعد أن فشلت القنوات الإعلامية الموجهة عبر الفضاء في استقطاب المشاهد العربي وإن تحدثت بلغته. صحيح أن هناك من خارج أسرة مردوخ من يملك 7% من مجموعة (نيوز كورب) إلا أن هذه النسبة لم يكن لها أي تأثير واضح على محتوى قنوات وصحف السيد مردوخ، ففي البلدان التي تبث منها تلك القنوات وتنشر فيها تلك الصحف يملك المهنيون العاملون رأيا وقرارا لن يسمحوا من خلاله بأي انحراف للسياسة التحريرية لتلك الوسائل الإعلامية؛ بينما تسود الفوضى وعدم المهنية القواعد المنظمة للتعاطي مع المحتوى في وسائل الإعلام العربية ولا توجد نقابات أو مؤسسات مجتمع مدني ذات صفة رقابية فاعلة تضمن لنا عدم تدخل السيد مردوخ في المحتوى الذي تبثه الوسائل موضع الاستحواذ. ومما يزيدنا حفاوة بالسيد مردوخ أن إعلان استحواذه على تلك النسبة قد تزامن مع حصول المجموعة الإعلامية العربية موضع الاستحواذ على رخصة للبث الإذاعي في المملكة ولا أدري هل سنستمع قريبا من تلك الإذاعة (لشون هنتي) أو (بيل أورالي) في برامج مدبلجة وهما يناقشان قضايانا المحلية بتلك الروح الكارهة لنا، فهما من أكثر المذيعين اليمينيين تطرفا في قناة فوكس نيوز الأمريكية التي يملكها العزيز مردوخ. تلك هي التجارة ومتطلبات العولمة، ولكن ألا يعد هذا مؤشرا خطيرا على أن إعلامنا العربي القوي الذي وصل لبيوتنا واخترق جماجمنا قد يباع كله في يوم من الأيام ليصبح الآمر الناهي فيه غريب إن لم يكن عدوا لنا؟ يجب دراسة هذه الحالة قبل أن تتساقط قنواتنا ومجموعاتنا الإعلامية تحت ضغط الحاجة أو الإغراء المادي، أو التجاهل الحكومي لهموم تلك المجموعات الإعلامية الخاصة.