كتب بعض من الزملاء الأكاديميين ، وبعض الصحفيين في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية عن الندوة العلمية الدولية (قضايا المنهج في اللغة والأدب النظرية والتطبيق) ، التي ستقام في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود في الفترة من 7_9 مارس 2010 . وما يحمد لهذه الندوة وللقائمين عليها وفي مقدمتهم أ.د نورة الشملان أنها جاءت في وقت البعث الذي تشهده جامعتنا العريقة ، مؤكدة على النهج الجديد الذي بدأت تسلكه بعد سنين من الركود والسكون اللذين هيمنا على كثير من أنشطتها وفعالياتها الأكاديمية والفكرية والثقافية ، فلا ريب أن يكون قسم اللغة العربية ضمن الممسكين بزمام التطوير والتحديث في زمن البعث الجديد الذي تشهده الجامعة . ولأني من أهل الدار فلن أستطرد في المدح والثناء فهما وإن كانا من حق الجامعة والندوة علينا ، لكنه يستحسن أن ندع هذا للآخرين ، ومما قيل في هذا السياق أقتبس ما كتبته إحدى الأكاديميات الخليجيات د. ضياء عبدالله الكعبي من أن (انعقاد مثل هذه الندوة المهمة بقسم العربية بجامعة الملك سعود يؤكد الرصانة العريقة والتقاليد المنهجية الراسخة والانفتاح المعرفي والثقافي الذي تمتلكه رؤية هذه الجامعة الطموح التي مضى على إنشائها الآن قرابة نصف القرن ، والتي استطاعت بخطى إستراتيجية دقيقة وواثقة أن تحظى بسمعة أكاديمية عالمية مرموقة بوصفها واحدة من أفضل الجامعات العالمية والأولى عربياً وفق تصنيف شنغهاي الأخير لأفضل الجامعات العالمية المرموقة.وقسم العربية في هذه الجامعة الطموح كان ولا يزال مولِّداً لعدد من النقاد والباحثين الذي أخذوا مكانتهم على مستوى المشهد الفكري والثقافي والنقدي والذين تمثل نتاجاتهم الفكرية واشتغالاتهم البحثية إضافات رصينة في الثقافة العربية المعاصرة) . لقد لفت نظري وأنا أتابع ما كُتب عن الندوة من أن بعض المهتمين من خارج الوسط الأكاديمي ظنوا أنّ موضوعها يتعلق بقضايا المنهج في مجال التعليم العام والجامعي ، إذ رسخ في أذهانهم أنّ المنهج ليس إلا ما يدرسه الطلاب على مقاعد الدراسة من مواد دراسية مشمولة بكتب مدرسية توزع عليهم في مطلع السنة الدراسية ، ومع هذا فإن المنهج في مجال التعليم أوسع من ذلك بكثير ، حتى إن علماء هذا العلم لم يتفقوا على تعريف معين له ، لكنهم مع ذلك يتفقون على أن المناهج أوسع من أن تحصر في نطاق ضيق من التعليم ، بل على العكس من ذلك فالمناهج تشمل كلّ شيء يتصل بالعملية التعليمية، سواء أكان ذلك الاتصال مباشراً أم غير مباشر. وكان (المنهج) في بدء استخدام هذا المصطلح في التعليم الأمريكي ، يعني برنامجا للدراسة. فمثلا عندما يُطلب من الشخص العادي أن يصف منهجا ما فإنه على الأغلب سيذكر لنا قائمة من المواد أو المقررات الدراسية ، هذا المفهوم للمنهج يوجد في كثير من أدلة الدراسة في شتى المدارس والجامعات والكليات ، التي كثيراً ما تذكر مجموعة من المقررات التي تُدرّس في أي برنامج دراسي من البرامج المتوفرة في المدرسة أو الجامعة أو الكلية. أما علم المنهج وهو بالإنجليزية: ( Methodology ) أو الميثودولوجيا فمفهوم مستمد من الكلمة اليونانية ( Meta-hodos ) ؛ ومعناها الطريق أو النهج الذي يؤدي إلى هدف ما ، وفي اللغة العربية ؛ المنهج هو الطريق الواضح " ويبدو أن أرسطو هو أول من استعمل كلمة - منهج - وأسسه على دعامتين : الأولى منطقية تبدأ بالمسلّمات ثم تنتقل إلى طبقات الاستنتاج المنطقى الصارم لتنتهي بالنتائج ؛ والثانية دعامة إجرائية تبدأ بالمشاهدة الدقيقة ، ثم تنتقل إلى استنباط التعميمات في سلم تتصاعد درجاته حتى تصل إلى المبادئ الأولية. ويعني هذا التصور الأرسطي أن الباحث يكتشف بالاستقراء ثم يؤسس معرفته في شكل استنتاج . وفي مطلع العصر الحديث ظهرت نظريات متعددة في المنهج على يد كل من فرانسيس بيكون وروني ديكارت وبرتراند راسل وميل ستيوارت. يركز بيكون في مؤلفه (الأورغانون الجديد) على الاستقراء التجريبي الذي يعتمد على الملاحظة والمشاهدة ثم القيام بمختلف أنواع التجارب ، خلافا لصاحب الاورغانون (أرسطو) ، الذي ينطلق من معطيات نظرية ، أما ديكارت فانه يركز على التحليل والتركيب. إذن فالمنهج هو : العلم الذي يدرس المناهج البحثية المستخدمة في كل فرع من فروع العلوم المختلفة ، لذلك يعتبر فرعا من فروع الايبستمولوجيا. وهو" مجموع العمليات العقلية والخطوات العملية التي يقوم بها الباحث بهدف الكشف عن الحقيقة أو البرهنة عليها بطريقة واضحة وبدهية تجعل المتلقي يستوعب الخطاب دون أن يضطر إلى تبنيه ". ويتضمن هذا التعريف الذي نقترحه الجانب العقلي والجانب العملي في الممارسة . ومما يُعنى به علم المنهج تحليل المبادئ والطرق والقواعد المطبقة من قبل تخصص معين في البحث والتحري عن النظريات ، وتطور المنهجية المطبقة في تخصص ما ، والإجراءات العملية في دراسة مجموعة نظريات أو مصطلحات أو أفكار، كذلك دراسة مقارنة للطرق المختلفة والمقاربات البحثية ، ونقد الطرق المستخدمة والمناهج البحثية . تميزت الفترة الممتدة بين أواخر القرن التاسع عشر وما بعد الحرب العالمية الثانية بتراكم كبير في مجال الدراسات اللغوية والأدبية ، وإذا كان من الصعب تصنيف هذه الدراسات في خانات معينة انطلاقا من معايير محددة ، فانه يمكن أن نميز على الأقل ، بين مدرستين فيما يخص المناهج المعتمدة في دراسة المواد اللغوية وتحليلها وما يرتبط بها من صيرورات ذهنية وعوامل فيزيولوجية ومؤثرات خارجية ؛ وهما المدرستان : البنيوية والتوليدية . لقد شغلت مسألة المنهج مساحة كبيرة من اهتمام الباحثين لما للمستجدات المنهجية في حقلي الدراسات اللغوية والأدبية من تسارع خلال العقود الثلاثة الماضية ؛ ولأن هذا التسارع يتطلب المتابعة والتمحيص بسبب تأثيره على طرائق المعالجة النظرية والتطبيقية في حقلي اللغة والأدب العربي ؛ من هنا جاءت فكرة إقامة ندوة علمية دولية تستقطب ذوي الاختصاص من الباحثين العرب والأجانب تهدف إلى تقديم أوراق عمل رصينة مؤسسة على استبصارات منهجية دقيقة حول المناهج المستجدة في منظومة الاختصاصات اللغوية والأدبية ، كما تسعى إلى اختبار خطاب المناهج والنظريات التي قدمها المفكرون والباحثون في حقلي اللغة والأدب والكشف عن مدى ملاءمتها وعن مدى إسهام الدراسات العربية في تطويرها وتعديلها ، بالإضافة إلى سعي الندوة للانفتاح المعرفي بالنظريات والمناهج الحديثة وتطبيقاتها لدى ذوي الاختصاص ، وتقديم تصورات وخطط ذات طابع تطبيقي يستثمر إنجازات الدراسات المنهجية في مجالات تعليم اللغة العربية وآدابها ، أما أهميتها فتنبثق من " كون مسألة المنهج تحظى بأهمية كبرى على صعيد الاشتغال في النظرية الغربية وكذلك في مجال الاشتغال على الصعيد الفلسفي. وكان لا يزال عدد كبير من الفلاسفة والنقاد الغربيين ، وكذلك النقاد الأكاديميين تؤرقهم قضايا المنهج بتشابكاتها مع رمزية المؤسسات على اختلاف تنوعاتها وتشابكها كذلك مع سلطة السياسي والثقافي والمعرفي. فإذا جئنا إلى الوطن العربي نجد أن قضايا المنهج تكتسب تعقيدات أكبر متأتية من قضايا التلقي والتأويل ومدى مناسبة السياقات الثقافية العربية لخلق مواءمة بين التراث والمعاصرة ناهيك عن قدرة المؤسسات الأكاديمية العربية مثل الجامعات على مواكبة مثل هذه التحديات ولا سيما المقررات الجامعية إلى جانب البحث العلمي لأعضائها " ويشارك في الندوة عدد من الباحثين الأكاديميين في كل من المملكة العربية السعودية ومصر والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا والعراق وسوريا والأردن والبحرين إضافة إلى المستشرقة الأمريكية البروفيسور سوزان ستيتيكفتش. تقوم محاور الندوة على جملة من القضايا التي تشكل رؤية شمولية للمنهج تنظيرا وتطبيقا منها: المنهج وأبعاده المعرفية ، قضايا المناهج اللغوية وتطبيقاتها ، قضايا المنهج في النظرية النقدية والدراسات الأدبية وتطبيقاتها ، قضايا المنهج في الدراسات البلاغية والأسلوبية وتطبيقاتها ، علاقة المنهج بالنظرية ، دور المنهج في الإطار الجامعي التعليمي والبحثي ، تطبيقات المناهج اللغوية الحديثة في دراسة التراث اللغوي عند العرب ، مناهج دراسة العربية المعاصرة واللهجات ومستويات الاستخدام اللغوي . ما هي إذن الأسس المعرفية والفلسفية للمنهج ؟ ما هي منطلقاته النظرية ؟ ما أساليب تحليله للظاهرة اللغوية ؟ وما هي أهم الدراسات التطبيقية انطلاقا من المنهج ؟ هذه بعض أسئلة أطرحها هنا وأنا أستهدف بمقالي هذا القارئ أو المتلقي غير المختص ، الذي أعتبره في حاجة إلى معرفة المزيد عن هذه الندوة التي سيجد فيها إجابة عن القليل الذي طرحته هنا ، والكثير مما لم أطرحه في هذه المساحة التي خصصتها اليوم للكتابة عن هذا الحدث الأكاديمي الذي بعثنا من مرقدنا . ختاما لا أملك إلا أن أحيي جميع أساتذتي وأستاذاتي وزملائي وزميلاتي المنظمين والباحثين والدارسين والداعمين ، تحية تليق بوعيهم وجهدهم الكبير .