ختام اللقاء العلمي ال21..تاريخ وحضارة الخرج عبر العصور    جوارديولا يرفض التكهنات حول مستقبله    ضبط 3 يمنيين في عسير لتهريبهم (60) كيلوجراما من نبات القات المخدر    ضبط وافد يمني أثناء محاولته دخول المملكة بطريقة غير مشروعة    ارتفاع أسعار النفط بنحو 1%    الأسهم الأوروبية تتجه لمكاسب أسبوعية بدعم البنوك    9 طلاب موهوبين من تعليم الطائف يتألقون في «إبداع 2026»    كتاب جدة يقيم ورشة لمهارات المقالة النقدية    اختتام دورة حكام التايكوندو "بومسي –مستجدين" بجدة    مُحافظ الطائف يستقبل وفدًا من أعضاء مجلس الشورى    تفاصيل رغبة مانشستر يونايتد في ضم روبن نيفيز    محترف الهلال خارج حسابات انزاغي    الأمير سعود بن مشعل يزور «ونتر وندرلاند جدة»    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للغة العربية ٢٠٢٥    المملكة ترحّب بقرار إلغاء العقوبات الأمريكية على سوريا    «زاتكا» تُحبط تهريب 187 ألف حبة كبتاجون بمطار الملك عبدالعزيز    المعيقلي: ولاية الله أساس الطمأنينة والإيمان    الحذيفي: التقوى وحسن الخلق ميزان الكرامة عند الله    عسير في صدارة الوجهات السياحية الأسرع نموًا في الخليج العربي 2025    الين يتراجع بعد قرار المركزي الياباني برفع الفائدة    جامعة تبوك تحتفل بحصول جميع برامج البكالوريوس على ⁧‫الاعتماد البرامجي‬⁩ بنسبة 100%    موسى المحياني: وضع الأخضر قبل المونديال مخيف والتحرك يبدأ الآن    «دوائر النور»    لولا يؤكد أنه سيستخدم حق النقض ضد قانون يخفض فترة سجن بولسونارو    مقتل سبعة أشخاص في تحطم طائرة خاصة في الولايات المتحدة    قطرات للأنف لعلاج سرطان المخ    انتشار فيروس جدري القرود عالميًا    فيفا يصدر قراره في نتيجة مباراة المنتخبين السعودي والإماراتي بكأس العرب 2025        مهرجان الرياض للمسرح يتألق في ثالث أيامه بعروض مسرحية وحفل غنائي    مزادات الأراضي تشتعل بصراع كبار التجار    بطولة "قفز السعودية".. عبدالرحمن الراجحي بطل شوط نقاط كأس العالم 2026    نابولي يثأر من ميلان ويتأهل لنهائي كأس السوبر الإيطالي بالسعودية    إستراتيجية واشنطن في لبنان وسوريا بين الضغط على إسرائيل وسلاح حزب الله    تخريج 335 كفاءة وطنية ضمن برامج التدريب بمدينة الملك سعود الطبية    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل الهندي    أمير جازان يستقبل الفائز بالمركز الأول في مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    جمعية أرفى تحصد فضية جائزة "نواة 2025" للتميز الصحي بالمنطقة الشرقية    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    أمير الشرقية يكرّم داعمي جمعية «أفق» لتنمية وتأهيل الفتيات    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    نعمة الذرية    البيطار يحتفل بزفاف مؤيد    القحطاني يحصل على الماجستير    ضبط أحزمة ناسفة وصواريخ.. تفكيك خلية تابعة ل«داعش» في إدلب    تصعيد عسكري في كردفان.. الجيش السوداني يستهدف مواقع ل«الدعم السريع»    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    أكد أنه امتداد لدعم القطاع الصناعي من ولي العهد.. الخريف: القرار يعزز التنمية الصناعية ويطور القدرات الوطنية    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    في ذمة الله    حرقة القدم مؤشر على التهاب الأعصاب    علماء روس يطورون طريقة جديدة لتنقية المياه    تصعيد ميداني ومواقف دولية تحذر من الضم والاستيطان    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطرف في المدح أفقد الشعر الشعبي أحد أغراضه
شعراءٌ كأنها الخازباز
نشر في الرياض يوم 25 - 02 - 2010


مدخل:
ذكر حمد الجاسر في (من سوانح الذكريات2/732) قصة أشار إليها الزركلي في كتابه (شبه الجزيرة) والأحيدب في كتابه (من حياة الملك عبدالعزيز) مفادها: (أنه في إحدى زيارات الملك عبدالعزيز لبلدة الخرج عام 1363ه أستأذن عليه شاعر من أهل نجد في إلقاء قصيدة بين يديه فأذن له، فاستهل قصيدته قائلاً:
أنت آمالنا وفيك الرجاء .... ..... ... . ... ....
فانفعل الملك عند سماع هذا المطلع وأسكت الشاعر بعنف وأوضح ما في هذا البيت من أمور لا يصلح أن يقصد بها غير الله سبحانه، فحاول حمد الجاسر التخفيف من أثر ذلك قائلاً: لعل فيما بعد مطلع القصيدة ما يوضح هذا لو سمحتم طال عمركم في الاستماع إليها. ولكن تأثر الملك كان شديداً فأبى؛ وفي رواية أنه قال: علمه التوحيد يا ابن جاسر).
مدائح ال camel boy المجانية:
قال الغفالي:
عثمان يعلم أن المدح ذو ثمن
لكنه يبتغي حمداً بمجان
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً
حتى يروا عنده آثار إحسان
هكذا كان يقول الشعراء قديماً أما اليوم فالأمر مختلف فأغلب الممدوحين يمدحون مجاناً لأن الشعراء درجوا على المدح المعلب، أو القوالب الجاهزة فكل الممدوحين بلا استثناء هم: أشجع الناس، أكرم الناس، أوفى الناس، أطيب الناس، وهلم جرا.. فلا يوجد صفات خاصة أو فعل مميز للممدوح؛ وهذا ما نراه جلياً في قنوات (ناقتي يا ناقتي) وبخاصة في مثل هذا الوقت المرتبط ب (المزاينات) حيث يتسابق الشعراء على مدح ال (camel boy) بصفات الشجاعة والكرم والوفاء والطيبة بسبب أنه اشترى ناقة أو ذوداً بملايين الريالات، فانظر إلى مؤهلات المدح لدى هؤلاء؛ ولذلك فقد سهل المدح حتى أصبح أسهل وأسمج أغراض الشعر، فالقصيدة واحدة وتطبق على جميع الممدوحين.
ونحن نقرأ ونسمع ونشاهد في جميع الوسائل الإعلامية قصائد.. عفواً.. مدائح منظومة، تهدف إلى إضفاء هالة من النور على شخصية الممدوح فيستنفر شاعرها.. عفواً.. ناظمها جهده، جالباً خيله ورجله، لجمع كل شاردة وواردة من الصفات الجميلة، فيحشو بها نظمه، بغض النظر عن كونها تليق بهذا الممدوح أولا تليق، فيمدح ال (camel boy) بما لم يمدح به خلفاء بني أمية وبني العباس، لأن هذا الشاعر الداهية!! يعرف أن النفخ في البالون يجعله يخف فيطير لتتساقط الدنانير.
وكان خلفاء بني أمية وبني العباس يجيزون الشعراء ولكن كانت الجائزة تختلف من شاعر إلى آخر حسب درجة قصيدته لأنهم يميزون بين هزل الشعر و جزله، أما ممدوح اليوم الذي يجيز الشعراء فدرجة القصائد عنده واحدة ولذلك فالجوائز واحدة، وسمعت أن شخصاً من عامة الشعب منح جميع من مدحه وأثنى عليه من الشعراء نفس الجائزة وهي عبارة عن (سيارة فارهه)! لأنه ممن قيل فيهم:
في كل يوم للقوافي جولة في قلبه ولأذنه إصغاء
وكنت قد كتبت أطروحات سابقة تحدثت فيها عن التسول بالشعر كمهنة امتهنها بعض الشعراء في الوقت الراهن رغم تغليفهم لقصائدهم الكاذبة ب (سولفان) الصدق والمحبة واتخاذهم الوسائل العجيبة لتسلق الأسوار .
ولكني اليوم أحمل المسؤولية للممدوحين الذين ساعدوا على تكاثر الطفيليات بمعرفتهم الخافتة وذائقتهم الهابطة.
المدائح بين الإفراط والتفريط:
التطرف في المدح هو السائد في ساحتنا الشعبية؛ وهو تطرف على جانبين فتفريط بمدح من لا يستحق، أو مدح من يستحق بصفات لا يستحقها، وهذا أمر يلاحظه الجميع في أغلب قصائد المدح الجوفاء، أما الجانب الآخر فإفراط يصل إلى الغلو؛ والإفراط والتفريط هنا يتحمل مسؤوليتهما الممدوحون الذين لا يفقهون معاني الشعر ومدلولاته، وبالتالي لا ينكرون مزالق الشعراء وتجاوزاتهم الدينية كما فعل الملك عبدالعزيز في القصة التي ذكرناها في مدخل الموضوع، ومن أمثلة الإفراط في المدح على حساب المحاذير الدينية قول أحدهم:
والله يا لولا الواحد الفرد الصمد
وخوفي على ديني وسيرة مذهبي
اني لاحلق لين اجي قمة احد
وإني لاقول انك (......) وابن (......)
ويقول شاعر آخر:
شيخ لو أني ما مدحت فعوله
شككت في قوميتي وإسلامي
ويقول أحدهم:
مادام.... الكرم حي ّ وبخير
ما عاد ننشد لو تقوم (..........)
ويقول الآخر:
يا المهدي المنتظر بالحاجتين الجسام
المدة المسكتة والأخذ بيد الضرير
ويقول الآخر:
لو أن منت تعيش في كوكب الأرض
ونشوفك تسولف وتضحك معانا
أكيد نبغا نقول يا طاهر العرض
مَلَك ونزله الولي من سمانا
ويقول شاعر لم يكتف بمدح الممدوح ولكنه انتقل إلى مدح أمه:
يا أميرة مؤمنين بلاد (....)
وأم أكرم من خلق فأمة محمد
تنجب الزهراء أحفاد أبي طالب
الحسين أو الحسن والعز منمد
أنتِ الله شرفك عن من سواكِ
يكفي أن بطنك طلع منه (...)
وكل الأمثلة التي سقتها سابقاً تبث على الفضائيات وتنشر في الصحافة بصورة متكررة فلا الممدوح ينكر هذه التجاوزات الشرعية ويمنع بثها لاختصاصها به، ولا وسائل الإعلام تتورع عن بثها تحرجاً من الوقوع في المحاذير الدينية،ولا الشعراء يشعرون بأخطائهم فيتراجعون ويطالبون بحذف مثل هذه الأبيات، ولا المجتمع يضغط على الشعراء بصورة رادعة تؤدي إلى الانضباط الأخلاقي في قصائدهم بصفة عامة، بل إن الجمهور يطبطب على أكتاف مثل هؤلاء ويصفق لهم بحرارة وهذه حالة مؤسفة جداً!!
مخرج:
وختاماً فقد قال المتنبي:
ومن الناس من تجوز عليه
شعراءٌ كأنها الخازباز
ويرى أنه البصير بهذا
وهو في العمى ضائع العكاز
كل شعرٍ نظير قابله منك
وعقل المجيز مثل المجاز
والخازباز: صوت الذباب، ويطلق على الذباب نفسه أيضاً، ومعنى الأبيات كما جاء في (معجز أحمد) لأبي العلاء: أن الممدوح عالم بجيد الشعر ورديئه وغيره يجوز عليه شعر شعراء كأن شعرهم مثل طنين الذباب، الذي لا معنى له، ورغم ذلك فهو يظن أنه عالم بالشعر، وهو كالأعمى بين العميان، إذا ضاع عكازه وعصاته التي يتوكأ عليها! وفي البيت الثالث يوجه كلامه للشعراء قائلاً أيها الشاعر إن كل شعر يشبه من يقبله منك، فالرديء يجوز على الجاهل به، والجيد يعرفه العالم به، وعقل الممدوح الذي يعطي الجائزة على المدح ويقبل المديح ويجيزه، مثل عقل المادح المعطي، والذي قبله منه، فالأحمق يجيز الأحمق ويقبل منه، والعاقل يجيز العالم، وهو يقبل منه لأنه يرضى بشعره.
من هنا أرسل أبيات المتنبي إلى كل ممدوح بالشعر ليساعد على مكافحة (هَمَج الشعر) قال ابن منظور: الهَمَجُ البعوض والذباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.