في صغري كنت أواجه كثيرا بأشياء غير مفسرة لا أفهمها نظرا لتجربتي المحدودة في الحياة، ولعجزي عن فهم منطق الكبار الذي كان يبدو أصعب من جدول الضرب والأبيات الشعرية الغريبة التي كنت أجبر على حفظها في المدرسة. ولعل الإجابة على كل أسئلتي المتذمرة التي تبدأ "بلماذا ؟ وليه وعلشان إيه و إش معنى ؟" كانت تتلخص بكلمتين "بس...كذا!" أو ثلاث كلمات "من غير ليه !" وهي تتناسب مع نوعية أسئلتي المتذمرة التي تثير أعصاب المسؤول -أي السامع أو المتلقي- ولا تجعل كلامنا خفيفاً على المسؤولين أيا كان موقعهم من الإعراب! لذلك كنت أنتظر اليوم الذي أكبر فيه حتى أستخدم هذه العبارة خاصة وأنها تبدو أكثر فعالية حين تأتي ممن هم أكبر منك سنا أو مكانة ! كبرت لكني للأسف لا أظن يوما أنني استخدمت هذه الكلمات إلا في نطاق المزح خاصة وأنني في مجال عمل يفرض عليك تفسير كل تجربة تقوم بها وتوضيح كل استنتاج توصلت إليه . نسيت أن أخبركم بأنني أجد صعوبة في التعامل وفهم وتقبل التصرفات غير المفسرة، وأظن أننا جميعا كذلك، لكننا تعودنا على تقبلها، أو يمكن أن نقول: إننا تبرمجنا على تقبلها. وما أكثر الأشياء غير المفسرة التي تحيط بنا، فهناك الشخصيات الغريبة التي لا نفهمها ولن نفهمها،وهناك القوانين التي تمر علينا ولا نعرف لها سببا وهناك عجائب اجتماعية تستحق آن توضع في موسوعة الغريب وغير المفسر. فكم مرة نجح زميل لك في العمل في الحصول على ترقية رغم أنه لا يلتزم بمواعيد العمل ولا حتى بمسؤوليات الوظيفة، وكم مرة نجح جارك في التحايل على القانون بينما كانت يد القانون تخنق عنقك؟ وكم مرة جلست مع أحدهم وتساءلت كيف حصل على شهادة عليا ؟ وكم مرة همس أحدهم سابا ولاعنا وساخطا في فلان،ومعددا أخطاءه التسعة ليقف مرحبا به حين يراه صدفة ؟! وكم مرة تلونت شخصية أحدهم أمامك بمئة لون ؟ وكم مرة نظرت لنفسك في المرآة وعجزت عن التعرف على ملامحها ؟ وكم مرة غيّر أحدهم موقفه ورأيه كما يغير ملابسه رغم أنه أكثر من يتحدث عن المبادئ ؟ وكم مرة ضربت كفا بكف مستغربا باحثا عن إجابة منطقية لبعض ما رأيته أو عشته أو سمعته؟ وكم مرة تساءلت:" طيب ليه؟" لتدير ظهرك وتنشغل بشيء آخر بدون حتى أن تحاول أن تعرف الإجابة عليه ؟.