شهدت مدينة الرياض خلال الفترة الماضية حراكا اقتصاديا وتعليميا ملفتا للأنظار, ومع أنه أصبح الحراك المعهود في مملكتنا والتي أبت الا ان تسجل لها مكانة مرموقة في القرن الحادي والعشرين ليس بالاعتماد على المكانة التاريخية والدينية فقط, بل جاء ذلك باستخدام تقنيات العصر ووسائله, والتوجه التنافسي نحو عصر المعرفة. هذا الحراك تمثل في ملتقى التنافسية الذي نظمته الهيئة العامة للاستثمار والذي استقطب ما يزيد عن أكثر من 100 متحدث وخبير اقتصادي في مجال التنافسية الاقتصادية على المستوى العالمي, حيث تم مناقشة متطلبات تحقيق المكانة التنافسية للدول واقتصادياتها ما بعد الأزمة العالمية. في نفس الوقت تزامن مع هذا الحدث العالمي في مجال التنافسية الاقتصادية والاستثمارية, برز التوجه نحو المعرفة والتعليم العالي في المملكة وتحويلها الى مجتمع معرفي من خلال تبني القيادة لهدف تحويل المجتمع الى مجتمع المعرفة والتعلم, عبر تفعيل مسارات عديدة في مجال تطوير التعليم العام والتعليم العالي, كان آخرها التوجيه استمرار برنامج الابتعاث الخارجي في التعليم العالي لمدة خمس سنوات, ودعم القبول الجامعي في الجامعات القائمة والمستحدثة سواء الحكومية منها أو الأهلية. الا ان هذا التوجه من القيادة يحتاج الى ان يواكبه تفهم وتجاوب من قبل المجتمع. ولعلل أهم مؤشر في هذا الجانب هو ما برز من نجاح واقبال كبيرين على معرض التعليم العالي الذي أقيم بمدينة الرياض الأسبوع الماضي بمشاركة كبيرة من أكثر من 300 جامعة وجهة تعليمية, من المملكة وخارجها. وما صاحب المعرض من برنامج علمي شارك فيه أهم خبراء التعليم العالي والمعرفة والتعليم, والتعلم. إن بيت القصيد في هذا المقال هو الإشارة الى الإقبال المنقطع النظير من قبل أبناء هذا المجتمع وعلى الأخص فئة الشباب من الجنسين, وذلك منذ اليوم الأول لافتتاح المعرض, مما أبرز مدى اهتمام أبناء هذا الوطن للعلم والتعلم وتعطشهم للمعرفة بحضور الندوات المصاحبة والاستفسار عن فرص التعليم العالي, والمقارنة بين مختلف الخيارات المتاحة. إن تجاوب أبناء هذا الوطن مع مبادرات القيادة وتوجهها نحو مملكة المعرفة ذات الموقع التنافسي في القرن الحادي والعشرين في مختلف المجالات. وليس ذلك بمستغرب على موطن الوحي, ففي حديث جانبي مع خبير التعلم مؤلف ومخترع خرائط العقل أثناء احدى ندوات المعرض أشار الخبير توني بوزان الى أن مبدأ التفكير والتعلم أمر أساسي في الدين كما هو في التطور الحضاري الإنساني, واثار استغرابي اشارته الى أن التعلم هو امر في الإسلام امر الله به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ وهو الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب الا أن الأمر هنا بالتعلم واكتساب المعرفة. إن المكانة التي تطمح لها المملكة في القرن الحادي والعشرين انما هي امتداد طبيعي لتاريخها ومكانتها, ونهج قيادتها في التعامل العقلاني مع قضايا الأمة, وتحملها لمسئوليتها, وهو الأمر الذي جعلها تصبح أحد أعضاء مجموعة العشرين الأهم في تقرير توجهات وادارة الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين.