في السنوات الأخيرة ابتُليت المجتمعات في جميع أنحاء المعمورة بما يُعرف بالعمليات الانتحارية التي يقوم بها شباب في عمر الزهور.. شباب بعضهم تحت سن العشرين وبعضهم في سن أكثر من العشرين بقليل ونادراً ما يكون هؤلاء الذين يقومون بعمليات الانتحار وتفجير أنفسهم في سنٍ متقدمة وذلك لأسباب كثيرة ومتعددة. القيام بالعمليات الانتحارية ليس أمراً سهلاً على الإطلاق ، وإعداد شخص للقيام بمثل هذه العمليات الانتحارية يتطلب إعداداً ليس سهلاً . فالروح والحياة عزيزة على أي انسان ، فكيف يقوم شخص بتفجير نفسه مقابل شيء لا يعرف مدى صحته؟ الأمر يعتمد على عوامل مُتعددة ، ليست كما ذكر البعض من أوصاف جسدية كاتساع الجبهة أو ضخامة الأنف أو بعد الأنف عن الفم وكل هذه الأفكار والنظريات القديمة جداً ، وإلا لكان من السهل التعرّف على المجرمين من أشكال وجوههم. الإعداد للعمليات الانتحارية يتم ببطء مع الشخص لإعداده لمثل هذا النوع من الجرائم البشعة للشخص بحق نفسه وحق من يعتدي عليهم عندما يُفجّر نفسه ، فيقتل أبرياء لا ذنب لهم سواء أنهم كانوا متواجدين في ذلك المكان الذي وقع عليه العقل المُدبّر والمخططون للعمليات الانتحارية ويستخدمون شباباً صغارا في السن ، حيث يسهل غسيل الدماغ لمن هم في سنٍ صغير ، وغالباً ما يكون لدى هؤلاء بعض المشاكل النفسية ، وسهولة الانقياد التي تتسم بها شخصياتهم فيُصبحون صيداً سهلاً للمخططين والمدبرين لمثل هذه العمليات. جرائم بشعة ولعلنا نرصد أهم الأمور التي تعتمد عليها الجماعات التخريبية: أولاً: الرصد الحذر ومراقبة سلوكيات من يُريدون تجنيده ، عبر أشخاص عليهم سمة الصلاح والتقوى ، ولا يدور حولهم أي شك في سلوكياتهم. هؤلاء الأشخاص يقومون بتعميق التدين بصورةٍ مخالفة للممارسات الدينية السائدة في المجتمع ، وغرس الكراهية لدى الشاب لمجتمعه عبر ضرب أمثلة للأمور السيئة التي توجد في المجتمع ويرى هذا الشخص ردة فعل هذا الشاب ، ومن هنا يكون الانطلاق نحو تعزيز فكره لكراهية المجتمع. تقريب الشاب من اشخاص آخرين ، إذا رأى فيه بذرة جيدة لتجنيده ، وينسحب الشخص الذي بدأ معه. عندئذ يتم جمع هذا الشاب مع آخرين في أماكن أخرى غير المساجد كاستراحات يستخدمها هؤلاء المدبّرين لنقل الشاب لمرحلةٍ أخرى. ثانياً: عندما يصل الشاب إلى هذه المرحلة من الاجتماعات في الاستراحات ، وتكون لديه فكر مسبق لسوء المجتمع وفساده ، فهنا يتم عبر أشخاص متخصصين في غسيل الدماغ حول الجهاد ودروس من التاريخ الاسلامي والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل هذا الدين الذي تخلى عنه الخلصاء من أهله وأصبح الشيوخ لا يهتمون لنصرة هذا الدين ، حيث ركنوا للدعة ورغد العيش ، وإن الإسلام بحاجةٍ إلى من يذود عنه لإعادة المجد الإسلامي المفقود. ثالثاً: عند تكرار هذه الدروس والأفكار على الشاب ، يرون من خلال شخصيته هل هو من الذين تأثروا بشكلٍ كبير وأصبح جاهزاً لأن يُسلّم نفسه لشيوخه ويفعل أي أمر يُطلب منه. حيث يبدأون في الثناء على الشباب الذين منّ الله عليهم بالشهادة وأنهم الآن ينعمون برغد العيش في جنات النعيم حيث أنهم استشهدوا وكرّمهم الله بهذا الفضل العظيم ويتمنون لو أنهم مكان هؤلاء الشهداء. رابعاً: لا يطلبون من الشخص مباشرة أن يرتدي حزاماً ناسفاً ويذهب إلى تفجير نفسه ، بل يختبرون إلى أي مدى وصل تأثره بالخطوات التي مرّ بها. ويقومون بتجنيد أشخاص أمامه للقيام بعمليات انتحارية ، ويرى مدى السرور الذي يبدو على مُحيا هؤلاء الذي تم اختيارهم للقيام بعمليات انتحارية (وكما شاهدت على احدى قنوات التلفزيون عبر شريط بثته القاعدة ، شابا –يبدو أنه فعلاً تحت تأثير أدوية نفسية- في مقتبل العمر يستعد لتفجير ناقلة مياه (وايت ماء) بأن ليس بينه وبين الجنة سوى هذا الحقل ! وبعدها يذهب إلى الحور العين اللاتي ينتظرنه ويراهن في المقعد المجاور له!). عندما يرى هذا الشاب حماس رفاقه فإنه يتحمّس مثلهم ويتمنى بأن يكون واحداً ممن يشتركون في العمليات الانتحارية القادمة. خامساً: ثمة أمور تساعد الجهات التي تُنفذ العمليات الانتحارية ، ويعي ذلك جيداً المخططون والممولون للجماعات ، فالشاب الذي يُعاني من ضياع في الهوية ، ويبحث عن انتماء لأي جماعة ليشعر بأنه شخص مرغوب به من جماعة أياً كانت ، فهذا صيدٌ سهل وربما تم تسريع عملية تجنيده. الشاب الذي يُعاني من الاكتئاب ؛ لأن الاكتئاب في سن المراهقة يرتفع ، حتى أن بعض الدراسات الأخيرة أشارت الى أن الاكتئاب قد يصل إلى ما نسبته 13% بين المراهقين . الشاب المكتئب لديه كره للحياة ويرى أن الحياة عبء عليه ، لذلك فهو يُفكّر في الموت كثيراً ، لذلك وجود من يُعطيه سبباً رائعاً ( من وجهة نظر الشاب) ، يجعله ينتشي لفكرة الموت لسببٍ سامٍ وهو الذود ورفعة الدين الاسلامي وقتل الكفّار (والكفاّر هؤلاء من وجهة نظر المخططين ، قد يكونون مسلمين أو غير المسلمين). مثل هذا الشاب قد يُستغّل بأسرع وقت حتى لا يصحو من اكتئابه! الشباب الذين يُعانون من مشاكل أسرية ، كالخلافات بين الوالدين وعدم استقرار الأسرة ، أو أن يكون والده مدمنا أو ليس من الآباء الذين ينتبهون لأبنائهم بشكلٍ جيد ، مثل هذا الشاب الذي يُعاني تمزق عائلته ، تقوم الجماعات باحتوائه وإعطائه العاطفة والشعور بالأمان الذين يفتقده ويوهمونه بأنهم عائلته ويقومون بإمداده بنصائح ظاهرها الخير وباطنها الشر. يقدمون له المسكن إذا أراد أن ينتقل من عند والديه ويغدقون عليه بالأمور المادية ، ويُشجعونه على أن يكون فعلاً ابناً لهم. ما كتبته هو وجهة نظر شخصية ، قد يكون فيها جزء من الحقيقة وقد يكون غير ذلك ، ولكن لأني قابلت أشخاصا سعوديين من الذين حاولوا الذهاب إلى العراق لطلب الشهادة حسب كلامهم!. كانوا اشخاصا على مستويات متفاوتة من المستوى العلمي والاجتماعي ، لكن يوحّدهم رغبتهم الشديدة المُلحة في الشهادة . عندما سألت أحدهم لماذا يذهب إلى العراق ليُقتل هناك؟ أجابني بأن هذه الاراضي جميعها اراضٍ اسلامية وأن الله لم يضع خطاً يقول فيه هذه السعودية وهذا العراق! إننا نواجه عدواً احتل أرضاً من اراضي المسلمين ويجب علينا محاربته ، ونحن لا نُريد من ذهابنا إلى العراق إلا الشهادة ، فلماذا يتم منعنا؟ سؤال بسيط لعملية معقدة جداً. فالأشخاص الذين يذهبون متوهمون بأنهم يذهبون لمحاربة الكفار الذين يحتلون العراق قد يكونون صيداً سهلاً لمن يستغلهم في العراق ويبيعهم بثمنٍ بخس للقوات الأمريكية أو إلى جماعات مسلحة قد تقتلهم ، أما من أوهمهم بطلب مساعدتهم فهم مرتزقة لا هم لهم إلا مصالحهم الشخصية والأمثلة كثيرة لمن ذهب هناك وتم بيعه بمئات الدولارات لآخرين يُذيقونهم سوء العذاب. الفتاوى المتضاربة بشأن أن الانتحاريين شهداء هذا أمرٌ ليس بهذه البساطة ، فقتل المسلمين بحجةٍ ما أو بأخرى ليس صحيحاً ، فدم المسلم له حرمته مهما قام به من عمل ، ولا يحل لأحدٍ أن يقتل ملسماً إلا عن طريق القضاء ولسببٍ واضح من الأسباب التي تُجيز قتل المسلم ، ويقوم بها ولي الأمر (الحكومة) ، أما تفجير مجمعات سكن المسلمين وقتل وجرح ساكني هذ المجمعات في الدول الاسلامية فهذا أمر خطير ويُثير الفوضى والرعب بين المسلمين وترويع سكان البلاد. إن تبسيط أمر العمليات الانتحارية عند بعض الفقهاء ، وما جرّ علينا هذا من أضرار لا تُعد ولا تحُصى، وربما يكون من الحكمة دراسة هذه الظاهرة ؛ دراسةٍ علمية ، بدءًا من المنزل الذي يخرج منه مثل هذا الشاب وكيفية تم تجنيده ، أرى بأن النصائح قد لا تجُدي كثيراً ، فالعديد ممن رجع من جوانتانامو عادوا مرةً أخرى للعنف ، فلماذا لا نلجأ لطرق أخرى لدراسة هذه الظاهرة التي تنامت عندنا.