لا أعرف التاريخ الذي كتبتْ فيه قصيدة الشاعر الشعبي خلف بن هذال، ومنها المقطع السابق، لكني أتذكر أني سمعته يُغنّيها وأنا طفل، ومنها الأبيات التالية: "قالو ارقد قلت أنا: وين أنا، وين الرقاد الرقاد لخفرت ن ظامر ن سرجوفها وشبهها من رايب العين مطفي الزناد دقست ن ما ميّز الناس وش معروفها طافي ن، كنك تكثح على وجهه رماد من رداه يخاشر البنت في مصروفها" والأبيات تقارن بين شخصية الرجل الذي يطوي الأرض بعمله وجهده بحثًا عن الرزق الحلال وتحصيل المعالي، وبين شخصية من يشبه الرجل في مظهره، لكنه ليس كذلك في جوهره، ممّن يقتات على الفضلات، ويعيش دون حياة تستحق البقاء. وتضم الأبيات السابقة أوصافًا دقيقة تحتاج إلى توضيح؛ فالنوم الذي يرمز إلى الدعة والراحة جعله منافيًا لشخصية الرجل المكافح، وربطه بالفتاة النحيفة، والنحف جمال، وهي التي تجلس في بيت أهلها، ويجب عليها الحفاظ على جمالها والاعتناء بمظهرها. والشاعر شرع للفتاة أن تنام ليس تقليلا منها، ولكن لأن الفترة الزمنية التي تُعبّر عنها القصيدة هي فترة سبقت تعليم المرأة وانخراطها في سوق العمل. ولهذا، فإن الفتاة التي لم تتزوج يحقّ لها أن تنام ويُصبح نومها نافعًا لأن مردوده إيجابي من ناحيتين: الأولى أنه يحافظ على جمالها ويبعدها عن التعرّض لعوامل التعب والشظف من شمس وغبار، والناحية الأخرى أنه يحميها من رؤية العيون الحاسدة والناقمة. وفي الغالب، فإن الشعراء يغارون على الفتاة الجميلة حتى من أنفسهم، ويصل ببعضهم التطرّف إلى درجة أنهم يتمنّون أن تبقى محبوبتهم فكرة أو حلمًا على أن تكون حقيقة محسوسة يراها الناس ويسمعونها. ويشترك مع الفتاة في النوم، رجل له مواصفات سلبية، وهو الذي لا ترى في عينه سوى البلاهة والغباء. وقد وصفه بأنه "دقسة"؛ ويقصد بذلك الشيء المتداخل الذي لاتميّزه بوضوح. وهذا ينطبق على الشخص الغامض الذي لاتستطيع أن تتبيّن معالم وجهه ولا تدرك كلامه بوضوح، فإذا تكلم همهم وغمغم وأطرق رأسه، تخلو عيناه من البريق والفطنة، ويُكثر من الالتفات والإطراق دون سبب. ويُوصف الشخص كثير النوم بأنه "دُبّ" ليس له همّ سوى الأكل وقضاء الحاجة. ولهذا وُصف وجهه بأن معالمه مندثرة كمن نُثر عليه التراب، ومن خيبته أنه لايبحث عن مصدر رزق يُغنيه بل يشارك امرأته مالها. وإذا قارنا وضع المرأة في تلك الفترة ووضعها اليوم، نجد أن الحياة تغيرت كثيرًا؛ فقد سكن الناس المدن واستقروا بها تاركين حياة الصحراء. وقلّ التعرّض المباشر للشمس ولفح الرياح في البراري، بل وُجدت الأدوية والكريمات التي تحمي من الشمس والمكياج وخلافه، وصارت المرأة تعمل وتشارك الرجل الحياة، ولم يعد النوم ميزة لها كما كان في السابق حينما كانت تُمتدح بأنها "نؤوم الضحى". بل صارت المرأة تقوم بعملها وتربّي أطفالها وتعتني ببيتها وأسرتها، وهناك من تتولّى المصاريف التي تخصّ المنزل بأكمله. ولكن بقي أمر لم يتغير مع الزمن، وهو صورة الرجل العاطل عن العمل، مقابل الزوجة التي تصرف عليه، فهذه الحالة مذمومة قديمًا وحديثًا، وربما تكون موجودة عند أغلب المجتمعات؛ فالناس لاترتاح للرجل العاطل الذي لايبحث عن مصدر رزق مكتفيًا بالعيش على مال زوجته أو غيرها؛ فهذا الصنف من الرجال، لاتفخر به زوجته ولا أبناؤه لأنه عالة عليهم وعلى نفسه؛ ومثله الزوج الذي يرتبط تقديره لزوجته بمقدار ما تعطيه من راتبها. وهذا الصنف السلبي من الأزواج الذي ازداد في الفترة الأخيرة، يقابله صنف جميل من الرجال الذين يقدّرون زوجاتهم لذاتهن، ويُنفقون عليهن وعلى احتياجاتهن الخاصة وهنّ موظفات، وبعضهم يسمح لزوجته أن تشاركه في تكاليف الحياة بعد إلحاحها على ذلك، ولكنه مستعد في أي لحظة لإعادة جميع المبالغ متى مابدر من الزوجة منّة أو تأفّف. وهذا الصنف يمثل الرجل النبيل الذي وُصفت أفعاله في أبيات أخرى من القصيدة السابقة، يقول فيها: "كيف ابرقد واحتجب عن نسانيس البراد لفحت الغربي يسرّ الحشا هفهوفها والفحل يرعى مع المعاشير طرق بلا قياد فارس ن يحمى طربها ويمّن خوفها أحمد الله، زال همي وحققت المراد طبت، والفرصه تطوف الردي ويطوفها"