أتردد على البحرين كل ماسنحت لي الفرصة لغرض محدد واحد فقط، وهو مشاهدة الأفلام الجديدة، فأنا اذهب الأربعاء وأعود الجمعة والتهم في ثمانية وأربعين ساعة كل الأفلام الموجودة في قاعات السينما وأعود. هل سمعتم بأحد يجلس طوال اليوم في سينما ؟ انه أنا . أنا أحب السينما لدرجة الجنون، اعشق الأفلام لأنني أرى أنها نافذتي إلى العالم عبر التشويق والكوميديا والخيال والمغامرة . أنني أعود بعد كل رحلة سينمائيه وأنا أكثر سعادة واتساءل دوماُ لماذا تمنع السينما في بلادي ؟ قررت أن أجد إجابة على هذا السؤال عملياُ لهذا أقنعت الأسرة بأن قضاء عطلة نهاية الأسبوع في البحرين ستكون ممتعة، وهكذا سافرنا براً أنا وأبي وأمي وإخوتي وعلى رأسنا جدي أطال الله في عمره . من السهل إقناع أبي بالدخول إلى السينما فهو ليس غريباً عنها لقد كان يشاهدها عندما كان مبتعثاُ وشاهدها عندما عمل فترة في ارامكو وكذلك والدتي رغم أن أبي يذكر ان آخر فيلم شاهده في دار عرض سينمائي كان قبل أكثر من عشرة أعوام ولهذا حاولت قدر المستطاع ان اختار لهم فيلم اكشن يخلو من المشاهد العاطفية ويحمل في مضمونه قصة جميلة وهذا ماتم. انبهر جدي بالقاعة وكبر الشاشة وكنت أتوقع انه سيتركها في أول خمس دقائق وكان الكل يتابع الفيلم إلا أنا فلقد كنت أتابع جدي ولاحظت انه كان يتحرك ويتفاعل كما كان يفعل عندما كان يشاهد المصارعة وكأنه يود مشاركة أبطال الفيلم حركاتهم، واتت الاستراحة، وكنت أتوقع ان يقول جدي ( مشينا ) ولكن كان يسأل خلص الفيلم ؟ فقلت له لا نحن في استراحة فسألني ( اشلون يعني نرجع باتسر ) قلت له لا يا جدي خمس دقايق ويكملون قال زين وبدأ عرض الجزء الأخير من الفيلم ولاحظت ان جدي بدأ يصدر اصواتاً لم تكن شخيراً، ولكنه كان يأكل الفشار من علبة ضخمة تحملها اختي الصغرى، ولم يكن بنظام حبة حبة ولكنه اطال الله في عمره كان يضرب بالخمس . عندما انتهى الفيلم وعدنا الى مقر سكننا لاحظت ان جدي سعيد ويتحدث عن بعض مقاطع الفيلم وعندما اتى اليوم التالي سأل ابي جدي الى اين يريدنا ان نذهب فقال جدي (السينما وانا ابوك ) عندها اسقط في يدي فهذا الفيلم كان الوحيد المأمون وأخشى ان اختار فيلماً آخر واجد التأنيب ولكن لم يكن بيدي حيلة . دخلنا فيلماً لا يخلو من لقطات عاطفية بسيطة، وفي هذا اليوم طلب جدي مني ان اجلس بجواره حتى اخبره ماذا يقولون حيث يبدو ان ابي لم يشرح له كل مايقال في الفيلم السابق وبالطبع حرص على ان تكون شقيقتي الصغرى بجوارنا وهي تحمل علبتين ضخمتين من الفشار منذ بداية الفيلم ومثلهما بعد الاستراحة . اعتدت عندما أتوقع ان أرى مشهداً عاطفياً أن أضع يدي على عيني الطفل المجاور لي ولكن ماهو الحل مع جدي . عندما تحين اللقطة اقول جدي ترى ممكن تصير خرابيط غمض لا تشوفها، ولكن ماحدث أن جدي وضع يد على عيني شقيقتي ويد تتابع التهام الفشار بنظام الضرب بالخمس وانتهى الفيلم وقال جدي لو بس يقصون هالخرابيط علشان ( البزران ) طبعاُ الفيلم الذي حضرناه لم يكن محظوراً على من هم دون سن الثامنة عشرة وهذا ما خشيت ان يكون هو الفيلم التالي في اليوم التالي ولكن جدي في اليوم الاخير قال ماودكم نروح السينما فقال له ابي لا طال عمرك فيه صديق لي في البحرين قابلته امس واصر ان يكون غدانا عنده في المزرعة وعقبها بنتسهل ونرجع ورانا طريق . بعد أن عدنا بأسبوعين همس جدي في أذني قائلاً نويصر متى ودك نروح البحرين .