أعترف بدايةً بأن اليأس والإحباط كثيراً ما تلبساني وسكنا أيامي بشراسة حين أرى مجتمعات كانت وراء خطونا، ولا تملك إمكاناتنا الاقتصادية والفكرية، تقدمت وصنعت لنفسها واقعاً متفوقاً، ودخلت إلى منظومة المجتمعات والأوطان المنتجة والفاعلة في صياغة الحضارة الإنسانية. والتفاعل القوي مع المنتج الثقافي، والفكري، والتربوي، والرؤيوي الذي تضع المجتمعات فيه كل فكرها، وعقلها، بحيث تستوعب بوعي كل التحولات، والمستجدات، والمتغيرات في هذا الكون الواسع. أعترف وأسجل أنني كثيراً ما أحبطت وهزمت ، لكن توفَّر لدي قليل من أمل. وكثير من رجاء بأن هذا المجتمع لن يتخلى مطلقاً عن ريادته، ولا عن إرثه الجميل والمتفوق الذي قدمه للمعرفة والثقافة الإنسانية في أزمنته المتعاقبة وبالذات من بداية توحيد الجغرافيا والتاريخ والإنسان. لهذه الأسباب كنت مؤمناً بأن ما نمر به من سبات، أو محاولات إلغاء، لثقافتنا، وحداثتنا ما هي إلا غفلة صاحبَها تسلط، وتلبسها سوء ظن بالناس، والحياة، والمعطى الثقافي. عند زيارتي بصحبة الأستاذ الزميل تركي السديري والأستاذ الزميل يوسف الكويليت للمعرض الدولي للتعليم العالي المقام بالرياض خرجنا نحن الثلاثة ونحن في حالة انبهار ونشوة واحتفاء بالحدث المفصلي في مسيرة هذا المجتمع. وأسجل بأن ما شاهدته كان من الممكن أن أتصوره بعد ثلاثين سنة - إذا أعطانا الله عمراً - ولو تصورت بأنني سأعيشه الآن لكن ذلك أضغاث أحلام!! عندها آمنت بأن المجتمع يمر بمرحلة انبعاث وتشكّل ، ويعبر إلى الحداثة واستيعاب التحولات، والمتغيرات بعقل يعي ويدرك أدواره، ومستقبلاته، واستشراف مكانته الأممية. هذه ناحية. والأخرى أن ما تقوم به قلة قليلة من أنصاف طلاب العلم، والثقافة الدينية من محاولات شرسة لضرب فكرة التنوير، والتطور، وبناء مجتمع خلاّق، وسعيهم إلى إلغاء حرية الأفراد سلوكاً، وممارسة، ورأياً في الوقت الذي يستفيدون من هذه الحرية التي كفلتها الدولة في منابرهم، ومنشوراتهم، وندواتهم، وفضائياتهم لتجريم، وإقصاء الآخر، واستعداء الآخرين على الدولة وعلى الإنسان السعودي هي ممارسة لن تعيق أو تحبط المجتمع عن تطوره والثالثة. أن هذا المجتمع يتمتع بكثير من التهذيب على مستوى التعامل، والنظرة، والحوار. فقد كان المعرض يزدهر بالفتيات الواعيات المثقفات سلوكاً، وفكراً، وبالشباب، وكان التهذيب حاضراً بشكل قوي وكبير. إذن: دعوا هذا المجتمع ينتج عقولاً مفكرة كما أنتج غادة المطيري، وحياة سندي، وخولة الكريع وفاتن خورشيد، وهويدا القثامي، وسلوى الهزاع ونورة الفايز. وكلهن قدمن ثراء إنسانياً في عالم المعرفة والطب والبحث. كفوا عن عبثكم، وتحرروا من تكهفكم..